قضت المحكمة الإدارية، أمس، بإلغاء قرار مجلس الوزراء بسحب الجنسية عن 46 مواطناً ومواطنة، وباعتبار القرار كأن لم يكن؛ لمخالفته قانون الجنسية الذي يتطلب إجراء تحقيق إداري قبل اتخاذ قرار سحب الجنسية، إذا ما ثبت وجود غش في اكتسابها، فضلا عن عدم انتظار الداخلية الدعوى نتائج الدعوى الجزائية المقامة ضد المدعين بتزوير الجنسية والتي لم يفصل بها.

وقالت «الإدارية»، في حيثيات حكمها، ردا على الدفع بعدم اختصاص القضاء، لكون قرار السحب أو الاسقاط من اعمال السيادة «إن نظرية أعمال السيادة، وإن كانت في أصلها قضائية النشأة وُلدت في ساحة القضاء وتبلورت في رحابه، إلا أنها في الكويت ذات أساس تشريعي يرجع إلى بداية النظام القضائي الحديث الذي أقرها بنصوص صريحة في صلب قانون السلطة القضائية الذي استبعد أعمال السيادة من ولاية القضاء تحقيقًا للاعتبارات التي تقتضي -نظراً لطبيعة هذه الأعمال- النأي بها عن الرقابة القضائية، وذلك لدواعي الحفاظ على كيان الدولة واستجابةً لمقتضيات أمنها في الداخل والخارج ورعايةً لمصالحها الأساسية».

Ad

وتابعت: «وقد وجدت هذه الاعتبارات صدىً لدى القضاء في الدول المتحضرة التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، فاستبعدت المسائل السياسية من هذه الرقابة، وهي صورة من أعمال السيادة التي لا تنبسط عليها رقابة القضاء في النظام الكويتي».

الفصل بين السلطات

وقالت المحكمة إن «خروج أعمال السيادة عن ولاية القضاء يُعد أحد صور التطبيق الأمثل لإعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحيتها التي خلعها عليها الدستور، وفي الحدود التي رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى، وأن مفاد ما أوردته نصوص قانون الجنسية الكويتية رقم 15 لسنة 1959 ومذكرته الإيضاحية أن مسائل الجنسية في دولة الكويت وما يتعلق بها من قرارات تتسم بطابع سياسي أملته اعتبارات خاصة تتعلق بكيان الدولة ذاته لتحديد شعب الكويت ومن يجوز له حمل الجنسية الكويتية عند تأسيس الوطن لأول مرة، وأن كل ما يتصل بمسائل الجنسية من قرارات بمراعاة تلك الاعتبارات، وفي نطاق ما تمليه تلك الظروف الاجتماعية التي تقتضي صيانة الدولة وتحقيق أمنها والمحافظة على كيانها في الداخل يُعد من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، وينسجم مع ذلك ما قررته السلطة التشريعية ممثلةً في مجلس الأمة -بما لها من سلطة تقديرية- من ملاءمة التصاق الأمور الأربعة الواردة في الفقرة خامساً من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية المشار إليه -ومنها بطبيعة الحال مسائل الجنسية- بالمصالح الأساسية للدولة، ورتبت على ذلك استبعاد المنازعات التي تنشأ حول القرارات الصادرة بشأنها من نطاق الرقابة القضائية لدائرة المنازعات الإدارية، فإن ذلك يُعد منها -وبلا أدنى شك- من قبيل المسائل السياسية التي تمس الدولة».

وأضافت أن المادة (4) من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء تنص على أن «تُؤلف محكمة التمييز من رئيس ونائب للرئيس وعدد كاف من الوكلاء والمستشارين، ويكون بها دوائر لنظر الطعون بالتمييز في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والجزائية والإدارية، ويرأس كل دائرة رئيس المحكمة أو نائبه أو أقدم وكلاء المحكمة أو أقدم المستشارين بها، وتصدر الأحكام من خمسة مستشارين، وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة منها أو من الدوائر الأخرى أحالت الدعوى إلى هيئة تشكل من أحد عشر مستشاراً من مستشاري المحكمة يختارهم رئيس المحكمة، وتكون برئاسته أو من ينوب عنه، وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء، ويكون مقر محكمة التمييز مدينة الكويت، ويجوز أن تُعقد دوائرها في أي مكان آخر، وذلك بقرار من وزير العدل بناءً على طلب رئيس المحكمة».

تناقض المبادئ

وتابعت: «وكان الثابت مما سبق بيانه وجود مبدأين قانونيين متناقضين قررتهما أحكام سابقة صادرة من محكمة التمييز يقضي أولهما باختصاص القضاء الإداري بنظر الدعاوى المتعلقة بإسقاط وسحب الجنسية الكويتية، بينما يقضي المبدأ الثاني بعدم اختصاصه بنظرها باعتبارها من أعمال السيادة التي تخرج عن ولاية المحاكم، فإن المحكمة تشير إلى ضرورة إحالة الدعوى من قبل المحكمة المختصة إلى الهيئة العامة لدوائر محكمة التمييز لحسم هذا التناقض وتوحيد وجهتي النظر عملاً بالمادة (4) من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء، وإذ كانت الدائرة الحالية -باعتبارها من الدوائر الإدارية بالمحكمة الكلية- لا تملك إجراء مثل هذه الإحالة، فإنها تمضي في نظر موضوع الدعوى استنادًا إلى المبدأ القانوني الأول القاضي باختصاص القضاء الإداري بنظر الدعاوى المتعلقة بإسقاط وسحب الجنسية الكويتية».

التزوير

وقالت إن «الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة أصدرت القرار المطعون فيه واستندت في ديباجته إلى المادة (21) مكررا (أ) من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 وتعديلاته بشأن قانون الجنسية الكويتية، وإذ كان الحصول على الجنسية الكويتية بناءً على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة ينطوي على جريمة جزائية وفقًا للمادة (21) مكررا (ب) من المرسوم بقانون سالف الذكر، فإن القضاء الجزائي يكون هو المختص بإثبات أو نفي هذه الجريمة، وبالتالي فإنه كان يتعين على جهة الإدارة أن تتربص صدور الحكم النهائي في دعوى التزوير المقامة من النيابة قبل إصدار القرار المطعون فيه لما للأحكام الجزائية من حجية وغلبة تقيدان جهة الإدارة في سحب شهادة الجنسية الكويتية من عدمه، ذلك أن حجية الأحكام تثبت حال وحدة الخصوم وتعلق النزاع بذات المحل سببا وموضوعا، باعتبارها عنوانًا للحقيقة فيما قضت به، وبالرجوع إلى المادة (21) مكررا (أ) المار بيانها يتبين أنها تنص على أن (تُسحب شهادة الجنسية الكويتية إذا تبين أنها أُعطيت بغير حق بناءً على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة)، وقد جاءت الأوراق خلواً مما يثبت أن شهادة الجنسية الكويتية أُعطيت للمدعي الأول بغير حق لعدم صدور أي حكم جزائي نهائي ضده في هذا الخصوص، كما أنه على فرض أن جهة الإدارة بمكنتها سحب شهادة الجنسية دونما حاجة لصدور حكم نهائي يثبت هذا الأمر، فإن الأوراق أيضاً جاءت خلواً من أية تحقيقات إدارية أو أدلة قاطعة تخولها إصدار القرار المطعون فيه، الأمر الذي يكون معه هذا القرار غير قائم على سببه الصحيح المبرر له قانونًا مما يتعين معه القضاء بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار».

وأشارت المحكمة إلى أن العبرة في تقدير مدى صحة القرار الإداري المطعون فيه هي بوقت صدوره والوقائع التي بُني عليها لا بما يطرأ عليها بعد ذلك، وبالتالي فإن القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه ليس من شأنه منع جهة الإدارة من إصدار قرار جديد حسبما تراه محققًا للمصلحة العامة بعد صدور الحكم النهائي في دعوى التزوير.

أعمال السيادة

بينت محكمة التمييز أن «أعمال السيادة هي تلك التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، وهي بطبيعتها أعمال حكومية تخرج من ولاية المحاكم، وقد ترك المشرع بما نص عليه في المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 الصادر بشأن تنظيم القضاء، أمر تحديدها للقضاء اكتفاءً بإعلان مبدأ وجودها، ذلك أن ما يُعتبر عملاً إدارياً قد يرتقي في ظروف وملابسات معينة في دولة ما إلى مرتبة أعمال السيادة، كما أن ما يُعتبر عملاً من أعمال السيادة قد يهبط في ظروف أخرى إلى مستوى الأعمال الإدارية، واستبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء إنما يأتي تحقيقًا للاعتبارات السياسية التي تقتضي -بحسب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالاً وثيقًا أو بسيادتها في الداخل والخارج- النأي بها عن النطاق الرقابي القضائي، وذلك لدواعي الحفاظ على كيان الدولة في الداخل والذود عن سيادتها في الخارج ورعاية مصالحها العليا، ومن ثم تبدو الحكمة من استبعاد هذه الأعمال من ولاية القضاء متمثلةً في اتصالها بسيادة الدولة في الداخل والخارج وفي أنها لا تقبل بطبيعتها -وعلى ما سلف بيانه- أن تكون محلاً للتقاضي لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطةً تقديرية أوسع مدىً وأبعد نطاقًَا، تحقيقًَا لمصلحة الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد لأن النظر فيها أو التعقيب عليها يقتضي توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تُتاح للقضاء».