مرّ يوم الشعر العالمي قبل أيام، وسط جو من الكآبة بين الشعراء الذين لم يحتفلوا به كما يجب لأسباب كثيرة، أهمها غياب الشعر بين القراء الذين لم يكترثوا بيوم الشعر، كما لم يكترثوا بأمسه القريب، فهل مات الشعر ومن قتله؟ غياب الشعر الحقيقي ليس حالة عربية، وإن كان يشكل بالنسبة إلينا غياب ديوان العرب وانتكاسة الفن الأول، الذي سجل جانباً مهماً من حضارتنا ولغتنا الجميلة. وموات الشعر العربي سببه الشعراء الذين قتلوا الشعر وأخرجوه من قضاياه الشعرية وجمالياته اللغوية، التي كانت سر متعته.

الشعر ليس عربياً فقط بل عالمياً يعاني ردة كبيرة جعلت أسهمه في المبيعات والحضور الجماهيري تتراجع، رغم وجود استثناءات لا ننكرها كمحمود درويش عربياً، وجالوي كينيل أميركياً. ولكن ذلك ليس ظاهرة عامة لانتعاش الشعر الذي فقد جمهوره وقراءه، ولم تعد دور النشر تهتم كثيراً بطباعته، أو حتى إعادة طباعة القديم منه. ولا تهتم المكتبات بأن يتصدر واجهاتها التي تحتلها الروايات غالباً.

Ad

منذ قرن تقريبا أعلن فلوبير أنه لا جدوى للشعر، واتهمه بأنه خارج الزمن تماماً. ولكن من الذي قتل الشعر؟ النقاد يوجهون جميع أصابع الاتهام إلى الشعراء الذين عليهم أن يلوموا أنفسهم لغياب متابعيهم وقرائهم وكساد دواوينهم، فأغلب القراء اليوم هم قراء من النخبة والشعراء أنفسهم الذين يقرأون لبعضهم البعض.

كان الشعر ومازال في المراحل التعليمية أكثر حظاً من الرواية والمسرح. معظم التطبيقات النحوية والبلاغية كان يتم تطبيقها على الشعر، والنص الشعري هو النص الوحيد بعد النصوص الدينية التي يطلب النظام التعليمي من الطلاب حفظها وشرح أساليب الجمال فيها. والحال نفسه في مقررات النصوص الأدبية في كليات الآداب.

تلك الاحتفاءات ليست في الكليات العربية، التي تدرس الأدب العربي، ولكن أيضاً في قسم الآداب الغربية، فالنصوص الشعرية هي الأكثر حظاً في التدريس، وإن كانت النصوص القديمة وليست المعاصرة. ولكن هذا الاحتفاء يبقى احتفاء محدوداً في أروقة الفصول الدراسية، أما الوضع الثقافي العام فيكاد يخرج الشعر من الحياة الثقافية.

أغلبية الصحف الأميركية اليوم مثل «نيويوركر»، و«لوس أنجلس تايم»، التي أعلنت أنها لن تقوم بعرض دواوين الشعر على صفحاتها، لم تعد تنشر الشعر كجنس أدبي مقروء، ويحظى بجماهيرية واسعة، فلم يعد الشعر يجد مستمعا جيدا، ولا شاعرا جيدا، وكما يقول والت ويتمان: «وجود شعراء جيدين مرهون بوجود متلقين جيدين».

الشعراء العرب، رغم استثناءات بسيطة، لا تجد أعمالهم رواجاً، وهو الحال ذاته في أميركا، فأغلب شعراء أميركا الشمالية اليوم لا يبيعون أكثر من بضعة آلاف خلال أربع أو خمس سنوات. وربما ذلك ما جعل بعض الشعراء العرب يهجرون الشعر لصالح الرواية كأنهم يعلنون ويشاركون في مقتل الشعر.

لا أحد يرحب بخروج الشعر كجنس أدبي رفيع من المشهد الثقافي، ولكن نعود إلى ما ذكرناه في البداية بأن اللوم يقع على الشعراء. لقد ساهموا في أن يدخل عالم الشعر الكثير من الدخلاء الذين رأوا في الكتابة النثرية الجديدة وسيلة سهلة لارتكاب ما يمكن أن نسميه مجازر شعرية قتلت الشعر، وفارقت بينه وبين قرائه ومستمعيه. أصبح من الصعب على الناقد أن يجد عوالم شعرية في الكتابات الجديدة، ومن الصعب على القارئ أن يجد المتعة التي كان الشعر يحققها له.