مسألة تبادل الأراضي إحدى الأفكار القديمة التي يمكن القول إن عمرها هو عمر القضية الفلسطينية تقريبا، ويروى أن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في أثناء المفاوضات مع إسرائيل عرضوا عليه الفكرة، وكانت تتلخص في أن تتنازل مصر عن جزء من أرضها في سيناء مقابل قطعة أرض موازية في صحراء النقب، كان السادات شديد الخبث عندما وافق بشرط أن يختار هو مكان الأرض البديلة، فأتى السادات بالخريطة ووضع علامة على ما يريد في المقابل، واكتشف المفاوضون الأميركيون والإسرائيليون أنه وضع علامة على ميناء إيلات منفذ إسرائيل الوحيد على البحر الأحمر، ولم يفاتحوه في الأمر بعدها.

بعد تولي الرئيس الأسبق مبارك الحكم ظلت المحاولات قائمة لإقناعه، وظل رافضا حتى اللحظة الأخيرة من حكمه رغم كل الإغراءات وكل الضغوط، وهذا ما أشار إليه في حديثه أو "دردشته" مع طبيبه التي نشرت أثناء محاكمته.

Ad

ركب "الإخوان" على نفس مصر مدة عام ولا ندري ماذا حدث في هذا العام حتى الآن، ولكن المؤشرات تقول إنه في هذا الملف تحديدا يبدو أن هناك تنازلات قدموها أو التزموا بتقديمها، وهذا يفسر من بين أمور أخرى ذلك الغضب والمفاجأة لسقوط "الإخوان" من أطراف غربية، الغريب أن أطرافا إخوانية حاولت اتهام النظام المصري القائم بذات التهمة التي لصقت بهم، ولكن هذه المحاولة فشلت في مهدها، لأنه لا مجال للمقارنة بين وطنية النظام القائم وبين انتماءاتهم المتخطية حدود الوطن.

مرة أخرى قد يكون من المناسب استعراض جزء من وثيقة جيورا إيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق مطلع 2010، الوثيقة طويلة ومليئة بالتفاصيل ولكني سأتوقف هنا سريعا عند بعض النقاط المهمة.

يقول أحد أجزاء الوثيقة: "اقترحت الإدارة الأميركية على الدول العربية إعطاء إسرائيل مقابلاً لاستعدادها التنازل عن أراض مقابل الاتفاق، ففي نظر هذه الإدارة ليس في مستطاع الفلسطينيين وحدهم دفع الثمن لإسرائيل مقابل التنازلات الكبيرة التي ستقدمها في إطار اتفاق السلام، والثمن المنتظر تقديمه من الدول العربية هو تحسين علاقاتها مع إسرائيل، وعلى الرغم من أهمية ذلك، فمن الواضح صعوبة تعويض خسارة إسرائيل كل مناطق الضفة مقابل بوادر حسن نية أو أمور أخرى، كما أنه من الصعب موضوعياً، عدم رؤية شوائب حل الدولتين، فمن جهة ستضطر إسرائيل وفلسطين للاكتفاء بدولة صغيرة ومكتظة سكانيا، ومن جهة أخرى ستكونان محاطتين بدول ذات أراض شاسعة، مع عدد قليل من السكان (الأردن، صحراء سيناء، السعودية)، فالأمر الوحيد الذي تملكه الدول العربية بكثرة وتحتاج إليه إسرائيل وفلسطين بصورة حادة هو الأرض، فإذا تنازلت هذه الدول عن جزء قليل من الأرض، يمكن إدخال تحسينات كبيرة على وضع إسرائيل والدولة الفلسطينية"، وتستمر الوثيقة لتشرح كيفية "تكبير الكعكة" بحيث يخرج الجميع رابحين.

أما عن أسس الاقتراح فلهذا حديث آخر.