مع تزايد أعراض حمى كراهية الوافدين، لتحميلهم وزر الوضع الاقتصادي، بدعوات لمنع صرف الأدوية عنهم لتتطور حالة الحمى هذه إلى مطالبات بوقف علاجهم، ثم من بعد، تتداول روايات ساذجة عن وافدة تزور الكويت كل مرة لتلد في مستشفيات الحكومة، وإلى رفع دعاوى تحمل الوافدين دون غيرهم مشكلة الزحمة المرورية وتدعو إلى سحب تراخيص القيادة منهم، وإلى تصدر بعض الأدبيات الكتابية تظهر نفسها بالمظهر العقلاني تتكلم عن ارتفاع تكلفة علاج الوافدين على الاقتصاد الوطني بينما، للمفارقة، يتم التشدد في الإنفاق على أرامل ومطلقات كويتيات... إلى غير ذلك من أدبيات عنصرية متعالية هي، حتماً، نتيجة خلق الأنظمة الحاكمة للإنسان النفطي الريعي المشغول، بصفة عامة، عن واقعه السياسي وضرورة المشاركة فيه، كي يتم تشخيص رداءة أوضاعنا الداخلية وسوء الخدمات بتصوير الوافد بالشيطان، الذي لولاه لكانت الكويت مكان النرويج أو الدنمارك في عالم السعادة وهي جنة الله في الأرض.

ما يحدث هنا خطأ تشخيصي يتم خلاله صرف النظر عن المسبب الحقيقي لمرض الواقع السكاني الشاذ، وهو السلطة السياسية بالدرجة الأولى، ثم مساهمة المواطنين بالدرجة الثانية، وتحميله الوافدين. في دراسة مركز الخليج لسياسات التنمية؛ بعنوان "خليج 2013 الثابت والمتحول"، تقرر أن الخلل السكاني في المنطقة يتأسس على مجتمع "... يشكل فيه وافدون غير مواطنين نسبة عالية من سكان وقدرات المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لفترة طويلة ومحددة من الزمن وليس هذا موضع نقاش..."، ففي الوضع الطبيعي في معظم المجتمعات هو "... عودة الوافدين إلى ديارهم بعد انقضاء المهمة والفترة المعينة التي قدموا من أجلها، وبذلك تتقلص نسبة الوافدين، أو يتم دمج الوافدين على مر الوقت فيصبحوا جزءاً مكوناً منه (المجتمع) ومواطنين شركاء فيه تجمعهم وحدة الأرض والمصير..."، أما في حالة دولنا فهي لا هذا ولا ذاك. يقيد فيه الوافد بنظام الكفالة لفترة طويلة دون أي أمل له في المشاركة بالمواطنة، ثم رحيله بعد انتهاء عمله.

Ad

وتوضح تلك الدراسة أن "... على الرغم من أن الخلل السكاني وجد شرط وجوده في الاقتصاد الريعي النفطي، فإنه لا ينبغي حصره في جانب السياسات الاقتصادية لحكومات المنطقة، فللمواطنين أنفسهم دور في رفد هذا الخلل بسبب تمتعهم بالرفاه النفطي، فقد أدت موجات استقدام العمالة الوافدة إلى مشاركة المواطنين أنفسهم، وتحت رعاية الدولة الريعية، في الاستفادة من هذه العمالة الرخيصة، وبدأت بذلك عادات توظيف الأيدي العاملة غير الوطنية في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وكذلك في قطاع الخدمة المنزلية، بتزايد ملحوظ ومطرد منذ السبعينيات...".

قالت الحكومات التي أصبحت ثرية بصورة خيالية للمواطن: اقعد في مكانك ويأتيك رزقك، عملت أم لم تعمل، أنتجت أم لم تنتج، فلا ضرائب ولا هموم... فقط دع عنك أحلام السياسة والمشاركة السياسية... كن مستهلكاً فقط... لا غير... بكلام آخر تخبره بصيغة آمرة، بأن يجلس مستريحاً لتتولى عنه القيادة منفردة...!

حالة مريضة شاذة، نرى إفرازاتها اليوم من لحظة خروجنا للشارع لنختنق بزحمة مرورية سببها، كما يتحدث دعاة الأنا النفطية، الوافد، دون أن يخجلوا ويصارحوا أنفسهم بأن هذا الوافد يعمل على كفالة كويتي كسائق أو مندوب أو سباك أو ممرض لشركة رعاية المرضى... وحتى نعود للبيت بعد رحلات ممتدة مملة غير منتجة في دوائر الحكومة كموظفين أو مراجعين كي نتمتع بوجبة حضرتها الآسيوية... ثم نأوي لأسرتنا قريري العين فقد عملنا وأنتجنا الكثير للحضارة الإنسانية.

لم هذا اللف والدوران وممارسة الكذب على الذات، لم لا يطالب دعاة التخلص من الوافدين لفتح أسواق العبودية رسمياً، فالعبيد تاريخياً عليهم واجبات فقط وليس لهم أي حقوق... أليس هذا ما يريدونه حقيقة دون التصريح به؟!