ننتقد الحكومة وإجراءاتها حيال الإصلاح الاقتصادي، وأولوياتها المقلوبة التي تبدأ بجباية الأموال من الأقل قدرة والأكثر حاجة في المجتمع، لكن لا يعني ذلك أن كل ما تقترحه الحكومة خاطئ، وأن كل ما يقره أعضاء مجلس الأمة صحيح ومفيد للبلد، والدلالة على ذلك إقرار لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية اقتراحاً كارثياً يعدل مواد قانون المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بخفض سن التقاعد للرجل إلى 50 سنة والمرأة إلى 45!

الغريب أن هذا القرار، وبخلاف نتائجه المالية الخطيرة، يأتي في وقت البلد بقطاعاتها كافة، الرسمية، والبرلمانية، والشعبية، مشغولة بنقاش جدِّي وموسع بشأن تعديل التركيبة السكانية، وآثار استمرار استقدام العمالة الأجنبية لاسيما على الاقتصاد الوطني والمرافق العامة والخدمات في البلاد، بينما اللجنة المالية، وهي إحدى أهم اللجان الفنية البرلمانية- تقر اقتراحاً بإخراج عشرات الآلاف من الكويتيين من الخدمة في أهم سِنيِّ الخبرة والعطاء، مما سيترك آثاراً اجتماعية واقتصادية بالغة السوء على الكويت.

Ad

لا يوجد في العالم نظام تأمين اجتماعي يتحدث عن سن تقاعد أقل من 60 عاماً، للرجل والمرأة على حد السواء إلا باستثناءات محدودة جداً، وإذ مُنِحت الكويت نظاماً تأمينياً سخياً أواسط عهد الدولة الحديثة، فقد كانت له ظروفه حينها، والتي مرت وانتهت ولا يمكن العودة إليها إلا لمن يريد دغدغة المشاعر وخراب البلد لمصلحته السياسية والانتخابية.

لطالما كنتُ أرفض أن يطلق على الاقتراحات، التي تلبي حاجات العامة بأنها "شعبوية" لأن نواب الشعب يجب أن يلبوا حاجات الناس إذا كانت ضمن إمكانيات البلاد، ويمكن تفهُّم أن يقترح النواب علاوة غلاء معيشة للمتقاعدين وسط الغلاء الفاحش حالياً، أو زيادة قيمة مكافأة نهاية الخدمة، لكن أن يخفضوا سن التقاعد، رغم كل التحذيرات الخاصة بالملاءة المالية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية وسلبيات ذلك على كل قطاعات المجتمع وأنشطته والتركيبة السكانية، فهو أمر غير مفهوم.

وإذا كنا سنجعل الكويتيين رجالاً ونساء يتقاعدون في سن مبكرة، فما قيمة الجامعات والبعثات الداخلية والخارجية؟

المطلوب في حالة تخفيض سن تقاعد المرأة على وجه الخصوص، وقف جميع البعثات الداخلية والخارجية للفتيات، لأنها ستصبح دون جدوى، فعندما تبتعث فتاة لدراسة الطب أو الصيدلة، وكذلك الهندسة، فإن خبراتها العملية تبدأ في العطاء منتصف الأربعينيات من عمرها، فيما الأخوة في مجلس الأمة يريدونها أن تجلس في المنزل؛ فتكون الدولة خسرت الأموال، التي صرفت عليها أكاديمياً، في حين سيتكلف المجتمع نفقات وتبعات استقدام خبرة أجنبية بدلاً منها.

عندما قرأت خبر موافقة اللجنة المالية على خفض سن التقاعد للجنسين، عبر "عاجل" خدمات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، اعتقدت لوهلة أنه خاطئ وأن العكس هو الصحيح؛ لأننا إذا أردنا حل مشكلة اختلال التركيبة السكانية، فيجب أن نزيد سن التقاعد لا خفضه، كما أننا لا نريد أن نبقي المرأة في المنزل لزيادة الإنجاب، كما يحدث مثلاً في الدول الاسكندنافية، بل علينا أن نفكر في تحديد النسل، لأننا دولة فقيرة في الموارد، ولأننا نملك ثروة من مورد واحد فقط قد يفقد قيمته في أي وقت، ومع تعداد الكويتيين الحالي نعاني قلة الفرص الوظيفية، والمشكلة الإسكانية، وسوء الخدمات، لذا فإن قرار اللجنة المالية بشأن خفض سن التقاعد، ربما يكون مزحة "بايخة"، بينما نحن في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الجد!