لم يعد العزوف عن رؤية ما يحزن ممكناً، فهو يلاحقنا أينما ذهبنا، العزوف هنا لا يعني الهروب عن مواجهة المشاكل لكن الابتعاد عن التكرار أمر ضروري لحفظ النفس من السأم والانكسار وربما الانفجار، وخير أنواع العزوف يكون في أوله، عندما يبدأ الحوار بالانحراف نحو الهاوية نفسها التي سقط فيها ويسقط فيها الكثيرون، ثم يخرجون منها بحماس ليعيدوا الكرّة وهكذا دواليك.

سأقترب أكثر مما أعنيه بالأمر المحزن، يبدو أننا أصبحنا أقلية وربما أقل من الأقلية، وأعني بهم مجموعة «الغرباء» الذين ما زالوا يرددون كلاما «عبيطاً» عن الإنسانية والحريات والتسامح وبقية تلك المصطلحات، نحن الغرباء بتنا نواجه واقعا متغيرا أصبح فيه تقبل الخطاب الشعبوي وممارسة الكراهية ضد الوافدين أكثر من أي وقت سابق، ذلك الواقع، بما فيه من تطور واضح في مجال التواصل الاجتماعي، خلق محطات لا متناهية لحوارات عنصرية لا نعرف من أين تبدأ ومتى ستنتهي؟

Ad

إن الحوار العقلاني أو أي حوار يستند إلى مبادئ الدستور أو الحقائق المخفية لبعض القضايا المثارة حوار منبوذ مجهض من أوله، وآخره الحوار حول قضية التركيبة السكانية التي تحولت إلى قضايا فرعية تقتات على ما يراه الناس من أمور ظاهرة في الشوارع والمستشفيات.

إن بعض من يرفع راية التضييق على الوافدين يتعمد الابتعاد عن المناطق الحساسة، مثل الجهات التي أغرقت البلاد بعمالة لا يحتاجها البلد، والبيئة الفاسدة التي تبقي على بوابات الاستقدام مفتوحة لأعداد توازي ما يتم إبعاده من مخالفين للإقامة، ومن يتم الاستغناء عن خدماتهم، إن المشكلة موجودة في أماكن أخرى، والوافدون في النهاية لم يهبطوا علينا بإرادتهم.

إن ما نحتاج علاجه والتعامل معه هو تعديل التركيبة السكانية وفق ما تحتاجه الدولة، وليس المطلوب عملية «تسفير» جماعي أو إجراءات تضييق غارقة في المراهقة والشعبوية، إن ما نحتاجه حقا هو عمل متناغم بين أطراف الجسد الحكومي لا فوضى عارمة داخل بلد صغير ومؤسسات محدودة العدد.

في الختام لعلّي لا أجد رابطاً أو محفزاً لما يحصل عندنا في الكويت سوى تأثرنا بالموجة الشعبوية التي تجتاح عواصم العالم الذي يقال عنه متقدم، مع الفارق بوجود بنى ومنظومات راسخة لديهم تكفل تجدد موجات الاعتدال التي تكتسح النماذج التي لا تشبه تلك الأنظمة التي بنيت فوق تجارب طويلة من الانصهار والتسامح والمساواة وبقية الكلام «العبيط» الذي نردده.