ما زالت منطقتنا تعيش ارتدادات الثورات والاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في عام 2011، ثم اختطفتها قوى الإسلام السياسي (الإخوان ومشتقاتهم)، وهي جزء من قوى الثورة المضادة، فالبديل الذي تُبشّر به أشد استبداداً وتخلفاً من الواقع المزري الذي خرج الناس للمطالبة بتغييره، مما جعلهم يخرجون مرة أخرى في الدول التي وصلت فيها قوى الإسلام السياسي للسلطة للمطالبة بإسقاطهم، وهو ما تم فعلاً في مصر، أو المطالبة بالحد من احتكارهم للسلطة وهو ما حصل في تونس. حدث ذلك ولكن من دون تحقيق البديل الذي كان الناس ينادون به، فمطالبهم في العيش الكريم، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والحرية لم تتحقق، مع الأسف، حتى الآن.

لهذا فإنه من الوهم الاعتقاد أن الأوضاع السياسية قد عادت كما كانت أو أنها استقرت نهائياً، إذ ما زالت، مثلما ذكرنا من قبل، أسباب الثورات والانتفاضات والاحتجاجات قائمة، ومن المرجح أن تتجدد مطالب الإصلاح والتغيير عند نضوج الظروف الذاتية لقوى التغيير والتقدم وذلك بطرق وأساليب مختلفة، وها نحن نرى حالياً الاحتجاجات المدنيّة في العراق ولبنان والإضرابات العمالية في مصر، والتي كان لها دور مؤثر في التمهيد لاندلاع ثورة 25 يناير 2011.

Ad

وإذا ما أخذنا في الاعتبار الأزمة الرأسمالية الاقتصادية الخانقة وبروز اليمين الفاشي العنصري في أميركا وأوروبا وفي دولنا أيضاً، علاوة على طبيعة الصراع الدولي المحتدم في المنطقة والحروب الدائرة حالياً في العراق واليمن وسورية، والتي من المرجح جداً أن يترتب عليها قريباً إعادة رسم خريطة جديدة لدول المنطقة بحدود أخرى مختلفة عن حدود اتفاقية (سايكس-بيكو)، حيث تتنافس الآن وبقوة دول رأسمالية احتكارية معولمة، من ضمنها روسيا بالطبع، على مناطق النفوذ والسيطرة في العالم بالتعاون مع حلفائهم الإقليميين من أجل ضمان مصالحها الاستراتيجية، كل ذلك يقود إلى أن التغيير قادم مثلما ذكرنا من قبل، ولكنه قد لا يكون في مصلحة شعوب المنطقة ودولها.

من هذا المنطلق، فإن الأنظمة السياسية، لا سيما، في دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بالمبادرة إلى تقديم مشاريع إصلاح سياسي وديمقراطي تفتح المجال لمشاركة شعبية حقيقية في اتخاذ القرارات المصيرية وصنع السياسات العامة، ورفع سقف الحريات العامة، وذلك بالتوافق مع الشعوب من أجل استقرار الدولة الوطنية وديمومتها، فعملية احتكار السلطة والثروة وتقييد الحريات لن يؤديا إلا إلى غضب شعبي مكتوم، وتفكك داخلي سياسي-اجتماعي، وهو الأمر الذي يخلق بيئة خصبة لحدوث اضطرابات داخلية قد تنفجر فجأة وبدون سابق إنذار، وقد تُستغل من قوى خارجية في أي لحظة من أجل تفكيك الدولة الوطنية وإنهاء وجودها.

الإصلاح السياسي على قواعد ومرتكزات مدنيّة-ديمقراطية ليس ترفاً مثلما ذكرنا من قبل، بل هو ضرورة من أجل الاستقرار الاجتماعي-السياسي الداخلي، والمحافظة على وجود الدولة الوطنية.