في أحد الامتحانات الصغيرة لطلبتي بالجامعة لمادة الكتابة الإبداعية، وبعضهم أصدر أو سيصدر روايته الأولى، سألتهم السؤال التالي: من أين يستقي الكاتب مادةً لأعماله الإبداعية قصةً كانت أو رواية؟ وأوضحت لهم أن الإجابة الصحيحة ترتكز على كلمتين. بعضهم أجاب كما يجب، وبعض آخر كتب كلمة واحدة، وقلة ثالثة ابتعدت بإجاباتها عن الصواب. كانت الإجابة تتطلب كلمتين؛ الواقع والخيال. الواقع بوصفه جذراً للعيش الإنساني، والخيال كونه المحرك الأهم للكتابة الإبداعية، أياً كان نوعها.

ظاهرة تبعث على السرور والتفاؤل هذا الإقبال الكبير من قبل الشباب الكويتي نحو الأدب، وتحديداً نشر الأعمال الروائية وأقل منها القصصية. وأيضاً مفرح أن يرتبط ذلك بناشر كويتي مجتهد ومواكب لمشهد النشر العربي. وبالتالي هو متواجد في معارض الكتب العربية من جهة، ومتواجد في المسابقات الأدبية العربية من جهة ثانية. مما يضمن الانتشار بالكاتب الكويتي إلى أكبر شريحة من القراء في أقطار الوطن العربي. لكن، بالرجوع إلى سؤالنا عن المصدر الأساس لكتابة العمل الإبداعي، فإن الملاحظة البارزة أن مجموعة كبيرة من الكتابات الشبابية لا تتخذ من الواقع المعيشي الكويتي فضاءً لأعمالها القصصية والروائية. وتكتب عن بيئات وعوالم غربية وأبعد ما تكون عن الواقع، وهي في الآن نفسه فقيرة في قدرتها على استخدام الخيال كمصدر خصب لمشاهد العمل الروائي أو القصصي. مع التنويه بوجود أسماء شبابية أكدت وجودها الإبداعي كونها تكتب مستمدة حبكات أعمالها من الواقع الكويتي، كالروائية موضي رحال، وناصر البراعصي، وخالدة الثويني، وهبة بوخمسين، وأطياب الشطي، وآخرون كثر، وهؤلاء يتخذون المعاش الكويتي، والقضايا الكويتية الراهنة، والمكان الكويتي خلفية موحية لأعمالهم. وهذا، ربما أهم ملمح يميز أعمالهم ويعطيها مذاقها الخاص المختلف الذي ينقلها لقارئ العربية أينما كان.

Ad

إن الثلاثي المتلازم الذي لا غنى عنه لأي كاتب شاب هو؛ القراءة، الخيال، الكتابة. فلا يمكن لأي كاتب شاب أن يقدم عملاً إبداعياً لافتاً دون أن يكون قد قرأ الكثير والمتنوع من الأعمال الروائية والقصصية والشعرية وغيرها، ويكون قد عاش بخياله المشاهد التي قدمتها تلك الأعمال والبيئات، ومن ثم بعد هذا يأتي ليكتب عالمه الخاص. القراءة هي النجاح لمن أراد كتابة عمل إبداعي ناضج ومغاير. وإلى جانب القراءة يأتي إلمام الكاتب الشاب التام والعميق بعناصر الكتابة الإبداعية.

إن تغلغل التقنية الإلكترونية العالية في حياة الإنسان، وعلى الأخص استخدام الأجهزة الذكية، وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، حرّك لدى الكثير من الشباب حب مغامرة طباعة وتوزيع كتابه. ولهذا هناك عدد كبير من الشباب دخل إلى عالم الكتابة دون المرور بعالم القراءة. وكم يبدو ذلك واضحاً في كتابات تفتقد الأسس البسيطة للكتابة الإبداعية، وهي بذا تفتقد عمق الرؤية. وهذا ما يجعل من القراءة ميزاناً فاضحاً وكاشفاً للقارئ للاستدلال على سعة اطلاع الكاتب ومدى وعيه بمحيطه المعيشي والإنساني.

إن عيش الإنسان هو ورقته الأولى الأهم التي يمكنه أن يسجل عليها عبر عيشه أهم كتاب له. وبقدر ما كانت صلته متجذرة بواقعه ومحيطه بقدر ما جاءت ورقته صادقة تلامس مشاعر الناس. وعلى العكس من ذلك من عاش بعيداً ومتباعداً عن واقعه فإن كتاباته في الغالب الأعم تأتي دون مذاق يخصها. الواقع هو الجذر بشرط أن يأتي معجوناً بقراءات متعمقة وكثيرة ومبدعة وإنسانية التوجّه، إضافة إلى فهم علمي ومعاصر بأدوات وعناصر الكتابة الإبداعية الضرورية. وأخيراً استخدام الخيال في إعادة كتابة مشاهد الواقع لتكون مرآة مكبرة قادرة على تصوير وكشف ما تعجز العين البشرية عن رؤيته في الممارسة الحياتية اليومية. هذه تكاد تكون العناصر الأهم لكتابة إبداعية شبابية ناجحة.