عندما حظي وزير الصحة د. جمال الحربي بثقة صاحب السمو أمير البلاد، وولاه وزيرا للصحة، استبشرنا خيرا به، ليس لمعرفة شخصية به أو بنهجه السياسي، ولكن لما دار حوله من حديث متشعب ارتكز على شخصيته القيادية القوية ونفسه الإصلاحي، وربما اتضحت بعض تلك الملامح الشخصية في أزمة وكيل الوزارة وإصراره على الاستقالة، فنحن في الكويت أصبحنا في حاجة ماسة أكثر مما سبق إلى وزراء يملكون الإرادة وقوة الطرح والدفاع عما يعتقدون به أو يؤمنون به من توجهات أو إصلاحات، خصوصا في المجالات الخدمية التي تمس عصب حياة المواطن الكويتي وصحته، وكل ما نملكه هو الدعاء له ولأمثاله بالنجاح لخدمة المجتمع الكويتي المحبط من الترهل في مستوى الخدمات بشكل عام والخدمات الصحية بشكل خاص، وليعلم سعادته أن مستوى الخدمات الصحية وصل إلى مستوى لا يمكن السكوت عنه، وليعلم أيضا أن الشعب الكويتي ليس كله محبا للعلاج في الخارج، وإن كان البعض اتخذ منه وسيلة للسياحة، مما شكل عبئا على الموازنة العامة، ولكن كما قيل في المثل: «مكره أخاك لا بطل»، وفي الأمثال الشعبية الدارجة قال «شحادك يالمسمار قال المطرقة».

ولا يختلف اثنان على أننا نملك مباني وأجهزة قد لا يملكها من نبحث عن العلاج عنده، ولكن العلة تكمن في الإدارة والمحسوبية، كذلك في ضعف الموارد البشرية بمن فيهم الكثير من الأطباء والاختصاصيين الذين لا يستحقون مناصبهم، فبعضهم أطباء وافدون يبحثون عن تحسين أحوالهم المادية واكتساب الخبرات على حساب المواطن الكويتي، وبعضهم لو كانت أموره طيبة في بلده لما قدم للكويت، وحتى بعض الأطباء الكويتيين الذين يعملون في القطاع العام يتفرغون لعياداتهم الخاصة واجتذاب المرضى المتذمرين بسبب المواعيد الطويلة للعيادات أو بعض الأشعة التشخيصية أو العمليات، وسبق أن حدث ذلك معي شخصيا مع أحدهم، والأمر الآخر أن مجانية العلاج تقريبا شكلت ضغطا على جهود الوزارة، وأعتقد أن ذلك ليس بخاف عن فكر سعادة الوزير.

Ad

لعل أسوأ القطاعات الصحية هو قطاع العلاج الطبيعي، وخصوصاً حالات الشلل، وتحديدا المصابين بالشلل الدماغي، فهم بحاجة إلى علاج دائم ومستمر طول عمرهم حتى يقضي الله أمره، وإمكانات الوزارة المادية والفنية فقيرة جدا، ولا يوجد إلا مستشفى واحد أكل عليه الدهر وشرب، ورغم افتتاح أقسام للعلاج الطبيعي في كل المحافظات فإن الوضع على طمام المرحوم، مواعيده بالأشهر، وأقصد مواعيد العلاج لا التشخيص، وبعض الأطقم الفنية لا تراعي الله في عملها ولا أدعي ولا أتجنى عليهم.

فأنا اختبرني الله في فلذة كبدي، وأعاني الأمرّين، وأضطر في كثير من الأحيان للمعالجين الخاصين، بل لسنوات أعالج ابنتي وعلى نفقتي في الخارج خلال العطلة الصيفية، ولا أترجى أحدهم لتمرير معاملة ما، ورغم التحسن الذي يطرأ على حالتها فإنه وبمجرد العودة للكويت تنتكس الأمور لسوء الخدمات العلاجية، سواء في المراكز العلاجية أو مدارس التأهيل التي في غالبها نهب للمال العام.

إن الأمل بتحسن المستوى العام للخدمات الصحية في عهد د. جمال الحربي أصبح مرتفعا، وبتنا نعيش أحلاما وردية، ولكننا قد نصدم باستمرار التناقض بين ما هو واقع ومأمول، والأمر بسيط جدا لو خلصت النوايا، ولنبدأ مثلا بالعلاج الطبيعي عبر تخصيص مراكز علاج طبيعي ومنتجعات صحية مؤهلة فنيا وإداريا للكويتيين، واستقدام أطقم فنية متكاملة بالأموال التي تدفع على العلاج في الخارج، وإن كان الأمر من ضروب المحال فافتح الباب لهؤلاء المساكين ليتلقوا العلاج خارج البلاد، وهم أحق بذلك من ابتعاث البعض لإجراء عمليات زرع شعر أو تجميل أو قص أظافر أو غيره، وهذا غيض من فيض، واعلم أن هؤلاء لا يملكون إلا نظرة المنكسر والمستجير بالله، ودعاء بالسر ليس بينه وبين الله حجاب، والحافظ الله يا كويت.