تستعد الكويت للاقتراض من الاسواق العالمية بهدف تمويل جزء من العجز في الميزانية العامة، عن طريق إصدار سندات وصكوك سيادية. وهذه هي المرة الاولى منذ عام 1992 حينما اقترضت الكويت قرضاً مشتركاً (Syndicated Loan) قيمته 5 مليارات دولار من الأسواق العالمية، وتم سداده قبل موعد الاستحقاق الذي كان متفقا عليه، ويحسب هذا للكويت ويعزز من مكانتها المالية.

وتبلغ تقديرات العجز في الميزانية الأخيرة نحو 5.5 مليارات دينار، وخيارات تمويل العجز محددة في السحب من الاحتياطي العام أو الاقتراض أو كلاهما معا. وطبيعي أن يكون المحدد هو تكلفة الاقتراض، مقارنة بالعائد على الاستثمار. فهناك من يرى أن استنزاف الاحتياطي العام سيكون له اثر سلبي على التصنيف الائتماني للبلاد، وبالتالي زيادة كلفة خدمة الدين إذا ما اضطرت الدولة للاقتراض في وقت لاحق، إضافة إلى أن أصدار مثل هذه السندات الحكومية سيساهم في تنمية سوق المال المحلي، وأن الاقتراض بالعملة الأجنبية سيوفر جزءا من احتياجات الاقتصاد لهذه العملة مقارنة بالاقتراض المحلي.

Ad

بينما يرى الفريق الآخر أن الكويت لديها احتياطي كبير وباستطاعتها سد قيمة العجز دون الحاجة إلى إضافة تكلفة الاقتراض من الاسواق العالمية. في المقابل، عقدت الحكومة عزمها في التعامل مع العجز عن طريق الاقتراض من السوق المحلي والاسواق العالمية، على ان يتم استخدام الاحتياطي العام لتغطية المتبقي. ولقد شكلت وحدة إدارة الدين العام تتولى رسم الاستراتيجيات وتقييم المخاطر والاشراف على الاقتراض بالتعاون مع البنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار.

وبالفعل قام البنك المركزي نيابة عن الحكومة إصدار أدوات دين عام بلغت قيمتها نحو 1.4 مليار لتمويل العجز حتى اكتوبر 2016، ومستهدف لها ان تصل إلى 2 مليار دينار,

وتقوم الحكومة حاليا بالترويج لإصدار سندات بقيمة 10 مليارات دولار تقريبا، حيث عينت المستشارين الماليين لإدارة طرح هذه السندات السيادية، ولكي تتفادى الحكومة إصدار قانون جديد يسمح لها بالاقتراض فإنها تسعى للانتهاء من إصدار السندات الدولية خلال فترة قصيرة جدا، مستفيدة من قانون الدين العام الذي يجيز لها ان تقترض بحد أقصى 10 مليارات دينار، لمدة لا تتجاوز 10 سنوات حتى نهاية 2017. علما أن الحكومة تعمل على اصدار تشريعات متكاملة لتوفير المرونة الكاملة للاقتراض العام من سندات أو صكوك.

ومن المتوقع أن يكون الطلب على الاصدار الكويتي أكثر من الحجم الأولي للأصدار، كما حصل مع أغلبية دول الخليج العربية الخمس التي سبقتنا في الاقتراض من أسواق المال العالمية، خلال العامين الماضيين لسد العجز في موازناتها. ولا يخفى علينا ما تتمتع به الكويت من ملاءة مالية متميزة ونظام سياسي مستقر ونظام قضائي متميز؛ فبالإضافة إلى الموارد النفطية الضخمة فإن حجم الصندوق السيادي الكويتي يبلغ بين 530 و550 مليار دولار مع نهاية 2016، وهو بمثابة الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة.

كانت السعودية آخر المقترضين من دول الخليج في اكتوبر، وصدرت سندات بقيمة 17 مليار دولار في أكتوبر 2016 وبلغ حجم الطلب 4 أضعاف العرض الأولي (15 مليار دولار). وشهدت اصدارات الامارات وقطر نفس مستوى الطلب. وينقسم الإصدار السعودي الى 3 شرائح سداد زمنية: 5 و10 و30 عاما، وبأسعار فائدة متفاوتة على التوالي بلغت 135 و165 و210 نقاط أساس على فوائد سندات الخزانة الاميركية. وهي أعلى من تلك التي تدفعها قطر وأبو ظبي، وربما يرجع ذلك الى التصنيف الائتماني لكل دولة. وتدفع قطر 150 نقطة أساس على قرض 3.5 مليارات دولار تستحق في 10 أعوام، وتدفع الامارات 125 نقطة أساس على قرض 2.5 مليار لنفس الفترة.

ومن المتوقع لسعر الفائدة على الاصدار الكويتي أن يكون مقارباً للأسعار التي حصلت عليها الامارات وقطر، إن لم تكن أفضل، خاصة أننا نتمتع بنفس التصنيف الائتماني(AA حسب تصنيف وكالة ستاندرد اند بورز مقارنة بتصنيف السعودية A-) ودون الأخذ بأية اعتبارات أخرى.

علينا ألا نجزع من الاقتراض السيادي، فأدوات الدين العام ضرورة وجزء من السياسة المالية العامة وتستخدم في شتى دول العالم تقريبا.

إن الملاءة المالية المتينة للكويت والظروف الاقتصادية العالمية وانخفاض اسعار الفائدة تمثل فرصة ملائمة لاصدار السندات الدولية وجب استغلالها، إضافة إلى ما سيوفره من فترة زمنية مناسبة لتنفيذ الإجراءات الاقتصادية اللازمة على جرعات متفاوتة، دون استنزاف الاحتياطي العام. ومن الضروري أن هذا الاقتراض يذهب الى مشاريع تنموية مهمة وألا يكون سداد هذه القروض عن طريق المزيد من الاقتراض، ولتحقيق ذلك يجب أن نمضي في إجراء الاصلاحات الاقتصادية وإعادة رسم فلسفة الاقتصاد.

الجزع يكمن في المزيد من الهدر والفساد والوعود الشعبوية.

*اقتصادي كويتي