في زمن السلام كانت أعياد الكويت أكثر بهجة، ولأغانيها الوطنية سمو وجمال في الكلمة واللحن والأداء. لم تكن الكويت قد مرت بتجربة قاسية في تاريخها مثل محاولة اقتلاعها وإلغاء وجودها، وهي التجربة التي غيرت إنسانها، وأنجبت لها جيلاً لا يحمل هوية حقيقية، جيلاً لا يمت للماضي القريب بصلة، وكأنه ولد نبتاً بلا جذور. لقد انهار كل شيء فجأة خلال الأعوام، التي تلت الاحتلال والتحرير. وكان لا بد أن يؤثر هذا الانهيار على نتاج الشاعر والملحن والمؤدي، أضلاع مثلث الأغنية الوطنية، التي كنا بها نفاخر، وتميزنا عن غيرنا، ليس خليجياً فقط وإنما عربياً. ففي زمن السلام، قدم لنا ثلاثي الأغنية الوطنية عبدالله العتيبي شاعراً، وغنام الديكان ملحناً، وشادي الخليج مؤدياً، أعمالاً خالدة حافظت على بقائها لأسباب أهمها الكلمة. لا أغنية يمكن أن تخلد نفسها سواء كانت وطنية أم لا، جيلاً بعد جيل، بلا سمو الكلمة.

في زمن الحرب تحتاج الأغنية الوطنية إلى الكلمة الرفيعة أكثر من حاجتها إليها في زمن السلام. تحتاج الأغنية إلى كلمة تخلق حماساً في جيل الشباب لا كلمة يرقص عليها في مسيرة السيارات. فالأغنية التي كانت تعكس ثقافة وتاريخ شعب وتتغنى بأيامه وحياته القاسية براً وبحراً، أصبحت اليوم أغنية هابطة بلا ملامح. أغنية فقدت صلتها بما سبقها، وليس لها أن تبقى أكثر من أيام بثها الأولى. أصبح منتجو الأغاني الوطنية، في غالبيتهم، يتعاملون معها كما يتعاملون مع أغانيهم السريعة.

Ad

التصدي للأغنية الوطنية عمل صعب، بلا شك، ولكنه ليس عملاً مستحيلاً. لا يمكن أن نقتنع بأننا لا نمتلك شعراء جيدين أو ملحنين بإمكانهم العمل على إنتاج أغنية وطنية جيدة. ولكن ما يحدث هو انعكاس للجو العام في البلد، لا تمنح الفرصة إلا للذين هم أقل موهبة وأكثر نفوذاً.

هذا الجو السائد في معاملة الكفاءات في البلد، جعل الغالبية من الشعراء يبتعدون عن الساحة، ليحل محلهم شعراء الكلام الساذج، إن لم نقل الهابط، الكلام الذي يمكن أن يلائم أغنية تافهة، ولكنه لا يناسب أغنية وطنية.

بالتأكيد يحق للجميع أن يعتقد بأنه يكتب للوطن ويغني للوطن، فلا أتخيل أن أحداً ينوي القيام بعمل لا قيمة له، ولكن يجب ألا تترك الأغنية الوطنية دون مسؤولية جهة، كوزارة الإعلام، أو المجلس الوطني للفنون والآداب، لأنها تمثل الوطن وصورته أمام الآخرين. العيد الوطني وعيد التحرير هما أسمى مناسبتين وبالإمكان الإعداد جيداً لعمل وطني يحافظ على تاريخ الأغنية الوطنية في الكويت.

في السابق، كان المسرح الوحيد المؤهل لتقديم "أوبريت" غنائي عليه هو مسرح المعاهد الخاصة، وهو قديم متهالك، لكنه احتضن أجمل أغاني وطنية في حينه، الآن لدينا دار أوبرا، ومن حق الشعب أن يرى عملاً وطنياً يليق باسم الوطن والدار، ولكن من يعلق الجرس.