يغشون حتى ما تهر كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

Ad

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شُمُّ الأنوف من الطراز الأولِ

***

• هذا جزء مما قاله في قصيدة طويلة للملك جبلة بن الأيهم، بعد أن قطع له رحلة طويلة ثم عاد إلى يثرب محملاً بعشرة آلاف دينار وهدايا، فهكذا كان حسان بن ثابت مولعاً بالعطايا والهدايا، ويقطع المسافات الطويلة من يثرب إلى مشارف الشام ليكيل المديح لجبلة بن الأيهم.

وعاد هذه المرة من رحلته وهو في غاية السعادة، بعد أن تغلب على شاعرين هما النابغة الذبياني، وعلقمة بن عبدة بتلك القصيدة التي أشرت إليها:

ثم يغدو إلى المجالس في يثرب ليروي للناس عن رحلته الأخيرة، وانتصاراته على غيره من الشعراء، فلم ينتبه له أحد ولا يأبهون به!

فالناس في يثرب في شغل عن الشعر والشعراء، بعد أن شغفوا بالذي يتلوه عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، فيعكف حسان في بيته حزيناً منقطعاً عن الناس، فيدفع به الفضول للذهاب إلى المسجد، ويأخذ مكانه مع الجالسين، فيرى السكون والوقار يسودان المجلس كله، والناس من الأوس والخزرج لا يرفعون أبصارهم إلى وجه رسول الله حباً وتوقيراً، فيلتفت هامساً لمن يجلس بالقرب منه -كعب بن مالك-:

- لقد عرفنا الشعر في كل وجوهه، لكن هذا الذي أسمعه جديد على سمعي.

- إنه كلام نبي يوحى به من السماء.

- قل لي يا كعب كيف أفعل كي أكون مثلكم؟

***

• ومن هنا كانت البداية، فصار حسان بن ثابت في كتيبة الإيمان، أما كيف أصبح شاعر النبي عليه الصلاة والسلام فلهذا الأمر حكاية:

لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض لهجاء شياطين قريش جاءه من يقترح أن نرد عليهم شعراً، وكان مع المسلمين عدد من الشعراء المشهود لهم مثل كعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة، لكن (أبو أيوب) الأنصاري ذكر حسان بن ثابت، لأنه لم يُخلق للقتال، حيث كرّس كل حياته منذ نعومة أظفاره للشعر، وبعد أن استقر الرأي على حسان قال:

- الحمد لله الذي قيضني لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلساني، وقد عجزت عن نصره بسلاحي...!

• لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول لحسان:

- كيف يا حسان تهجو قريشاً وأنا منهم؟!

- والله يا رسول الله لأسلّنك منهم كما يُسل الشعر من العجين!

• ثم تبدأ رحلة حسان مع الشعر الإسلامي، والدفاع عن نبي الرحمة فيما يقوله عنه خصومه:

هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفءٍ

فشركما لخيركما الفداءُ

وظل حسان مواكباً لرسول الله طوال حياته حتى حصل على أرفع الأوسمة (شاعر رسول الله)!