بإعلان الديوان الأميري إشرافه على تنفيذ مشروع قصر العدل الجديد يكون الديوان قد واصل سياساته في التوسع الإنشائي على حساب الجهات الرسمية المنفذة لمشاريع الدولة، وأهمها وزارة الأشغال العامة؛

فخلال السنوات الأخيرة نفذ الديوان الأميري عددا من المشاريع الإنشائية كإصلاح عيوب استاد جابر او تنفيذ وادارة حديقة الشهيد ومركز جابر الثقافي ومستشفى الجهراء الجديد، في تطور غريب لدور هذه المؤسسة التي طالما ظلت أعمالها منحصرة في أدوار بروتوكولية ورسمية، مما انعكس على نمو ميزانياتها بشكل قياسي بـ 9 أضعافها قبل 15 عاماً، إذ ارتفعت من 46 مليون دينار في ميزانية 2001-2002 إلى 416 مليوناً في ميزانية 2016-2017، رغم أن الميزانية العامة للدولة تضاعفت خلال الفترة نفسها بـ 3.5 مرات، وصولاً إلى 18.8 مليار دينار لآخر ميزانية معتمدة.

Ad

ميزانية وإنفاق

وبالنظر إلى ميزانية الديوان الأميري لعام 2016-2017 نجد أن النفقات الرأسمالية للمشاريع بلغت كلفتها -في عام واحد- 225 مليون دينار، أي ما يوازي 54 في المئة من اجمالي ميزانية الديوان، في حين أن قيمة هذه النفقات تعادل 40.8 في المئة من قيمة النفقات الرأسمالية لوزارة الأشغال العامة البالغة 551 مليون دينار، مما يعني ان الديوان الأميري يتجه مع نمو مشاريعه وتعددها إلى لعب دور كيان موازٍ لدور وزارة الأشغال، وفي هذا أضرار تتعلق بالمتابعة والمحاسبة والتنفيذ.

حساسية المحاسبة

أول الأضرار يتمثل في حساسية المحاسبة السياسية في حال وقوع مخالفات في مشاريع ينفذها الديوان الأميري؛ فمع أن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء هو من يتلقى الأسئلة البرلمانية، وبالتالي هو المسؤول سياسياً عن أعمال الديوان الأميري وديوان ولي العهد، فإنه من غير المحبذ، وبالتالي من المقيد، إجراء مساءلة سياسية عن أعمال الدواوين العليا، والأجدر هنا النأي بها عن أي أعمال أو مشاريع أو مناقصات، خصوصاً أن أعمال الترسية لا تمر بالمؤسسات المعتمدة كجهاز المناقصات المركزي.

ولقد رصد ديوان المحاسبة في تقريره السنوي عن 2014-2015 مجموعة من الملاحظات الفنية والمالية المتعلقة بأعمال الديوان الاميري، لا سيما في مشروعي استاد جابر ومستشفى الجهراء الجديد، مع تأكيد أن صياغة الديوان للمخالفات في الديوان الأميري احتوت على قدر عالٍ من الغموض، مقارنة بشرح وسرد المخالفات بصورة فيها قدر كبير من التفصيل في الجهات الحكومية الأخرى، مما يعزز فكرة وجود حساسية عالية، حتى في الجهات الرقابية، عند مناقشة أعمال الديوان الأميري.

انطباعات وثقافة

وتنفيذ الديوان الأميري للمشاريع بحجة سرعة التنفيذ؛ من ناحيةٍ يؤكد الخلل في الجهاز التنفيذي للدولة وعدم الرغبة في تطويره أو إعادة هيكلته ليقوم بدوره المفترض، ومن ناحية أخرى يعطي انطباعا بأن النجاح في المشاريع يتطلب مستويات أقل من الرقابة والشفافية، وهذه ثقافة غير محمودة الانتشار، خصوصا مع تزايد تنفيذ المشروعات المليارية، فضلاً عن التحفظ أصلا عن إعفاء بعض الجهات من الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة، وبالتالي فإن لثقافة تخفيف الرقابة إلى مستويات متدنية ضريبة على مستوى التنفيذ، فضلا عن الكلفة المالية.

وتوسع الديوان الأميري في تنفيذ المشروعات اليوم قد يجعله مستقبلاً تحت ضغط البيروقراطية وسوء التنفيذ، خصوصاً أن المشروعات التي ينفذها الديوان ليست بالأهمية الكبرى التي ترتبط بالخدمات الأساسية كمشروع جامعة الشدادية أو مشاريع الرعاية السكنية أو حتى مشاريع النفط الكبرى، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول معايير تنفيذ الديوان الأميري للمشروعات، خصوصاً ان طبيعة المشاريع متنوعة ما بين السياحي والطبي والرياضي وغيرها.

نظام موازٍ

تعثر وبطء تنفيذ المشاريع في القطاع الحكومي لا ينكرهما أحد، لكنهما لا يمكن أن يكونا عذراً لخلق نظام آخر موازٍ لنظام المشاريع المعتمد في الدولة، مع العلم أنه حتى مشاريع الديوان تتأخر في التنفيذ والتسليم، وهو ما حدث في مشروع مركز جابر الثقافي الذي تأخر افتتاحه نحو عام كامل، ومع ذلك فإن التحدي هو في إصلاح اختلالات نظم المشاريع وتسريع التنفيذ وتقليص الخطوات البيروقراطية وبسط قواعد الشفافية والحوكمة على المناقصات والترسيات، خصوصا أن ادارة الأموال العامة في زمن العجز تختلف عن إدارتها في أوقات الفوائض المالية. وإذا كان هناك حديث حكومي عن معالجة الهدر فيجب أن تتعاون فيه أكبر المؤسسات قبل أصغرها.

إن مؤسسة على مستوى الديوان الأميري يفترض بها أن تكون بعيدة عن التعاملات المالية، وأن ينحصر دورها الأساسي في المهام البرتوكولية العامة، وألا تلعب على حساب مؤسسات أخرى في الدولة لأن في ذلك اعترافا بفشل وقصور العمل الحكومي، فضلاً عن ترسيخ ثقافة أن الرقابة والحكومة والإجراءات السليمة تعيق عمليات التنفيذ، وهي أمور لا يجب حتى أن توحي بها مؤسسة عالية الأهمية.