تجاهل ترامب المخاوف بشأن التأثير الروسي المفرط في حملته ورئاسته، معتبراً إياها "أخباراً كاذبة"، ووهماً اختلقه الديمقراطيون ليبرروا هزيمتهم، لكن الجزء الأكبر من هذه الأخبار ليس مزيفاً، فهي تشمل من بين أدلة أخرى تقييماً استخباراتياً أميركياً حقيقياً يشير إلى أن الحكومة الروسية تدخلت في الانتخابات الأميركية عام 2016، وأن هذا التدخل هدف في جزء منه إلى مساعدة ترامب، أضف إلى ذلك تنحية حقيقية لرئيس حملة ترامب ومستشاره في مجال الأمن القومي مع التدقيق في روابطهما مع الكرملين، وهكذا حل الديمقراطيون عموماً محل الجمهوريين في معاداتهم لروسيا ودعمهم المجتمع الاستخباراتي الأميركي.

ذكر جوشوا زيتز أخيراً في مجلة Politico: "ينبغي للحزب الجمهوري نفسه، الذي نعت في ذروة الحرب الباردة خصومه الليبراليين بأعوان الكرملين، الدفاع اليوم عن رئيسه في وجه تهمة الولاء المزدوج"، وذهب نواه ميلمان في American Conservative إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن خصوم ترامب، بلجوئهم إلى "خطاب يزداد تطرفاً وتهوراً" بهدف اقتراح أن ثمة "مرشحاً منشورياً" في البيت الأبيض، ينشرون "الخوف مجدداً من الروس".

Ad

وفي حين تحوم الشكوك حول الروابط بين مساعدي ترامب والمسؤولين الروس والتدخل الروسي في النظام السياسي الأميركي الأوسع، قررتُ التحدث إلى مؤرخين حول الخوف من الروس في الماضي: تلك الحقبة الممتدة من أواخر أربعينيات القرن الماضي حتى نهاية الخمسينيات والتي ميزتها حملة السيناتور جوزيف مكارثي العنيفة وغير المبررة عموماً، الرامية إلى منع الجواسيس الشيوعيين والسوفيات من تقويض الحكومة والمجتمع الأميركيين. اتفق الباحثون على ثلاثة دروس يمكننا تطبيقها على يومنا هذا.

بين يدَي جو مكارثي استُخدم "خوف الجمهوريين المحق" من التأثير السلبي الشيوعي كـ"مضرب حزبي لتحطيم" الديمقراطيين، وخصوصاً إدارة ترومان، حسبما ذكر المؤرخ جون إيرل هاينز، ومن الأمثلة الأبرز على ذلك اتهام مكارثي اثنين من وزراء خارجية هاري ترومان، جورج مارشال ودين أشيسون، بتنظيم "مؤامرة على نطاق واسع جداً يجعل أي حدث مماثل سابق في تاريخ البشرية يبدو تافهاً". ولا شك أن هذا الادعاء كان عارياً تماماً من الصحة.

أدى الانتماء الحزبي دوراً أيضاً في تفادي إدارة ترومان الترويج لملاحقتها الجواسيس السوفيات في مطلع الحرب الباردة: "لم ترد المخاطرة بمواجهة التداعيات السياسية التي قد تترتب على الإقرار بأنها لم تمنع السوفيات من اختراق الحكومة الأميركية في المقام الأول. ويضيف هاينز أن ترومان وجد نفسه في موقف غريب، فبدا كمن يقول: ما يدعي الجمهوريون أنه حدث لم يحدث، إلا أنه لن يحدث مجدداً".

يتابع هاينز موضحاً: "تحت ضغط الانتماء الحزبي، يقدم شتى الناس على أعمال أو يقولون أموراً تبدو سخيفة ومبالغاً فيها".

في المقابل تعتبر المؤرخة إلين شريكر أن المكارثية "كانت في تجلياتها الأكثر وضوحاً محاولةً لقمع الانشقاق السياسي بشكل أو بآخر". يكمن مفتاح فهم هذا التسييس الخطر في إدراك أنها مبالغة تنبع من واقع، وتضيف هذه المؤرخة: "هذه النقطة الأساس في المكارثية: من الأسباب التي أدت إلى انتشارها واقع أنها لم تكن بعيدة الاحتمال".

اليوم، "تحاول مؤسسىة الحزب الديمقراطي استغلال مسألة [روسيا] بأفضل طريقة ممكنة"، مع أنها "لا تملك أدلة قوية أو دامغة" حتى الآن، وحسبما تشير شريكر (لا تُعتبر المخاوف من روابط ترامب بروسيا حزبيةً بالكامل، فقد عبّر عدد من المشرعين الجمهوريين والمعلقين المحافظين أيضاً عن مخاوف مماثلة)، وتنصح هذه المؤرخة الناس أن يسألوا مراراً لمَ يسعى "الديمقراطيون خصوصاً، فضلاً عن عدد من سياسيي المؤسسة الآخرين، بمن فيهم بعض الجمهوريين، إلى المبالغة في تصوير" هذا الخطر. هل ذلك بسبب الوقائع التي تدعمها أم "لأننا نحتاج دوماً إلى عدو؟".

* «ذي أتلانتيك»