خلل التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة مستمر منذ سنوات طويلة على الرغم من الوعود الحكومية المتكررة، حيث فشلت السياسات السكانية وسياسات استثمار القوى البشرية الوطنية في معالجة الخلل، بل إنها زادت الطين بلة، وبالطبع ثمة أسباب جوهرية للخلل الذي يعتبر أحد الاختلالات الرئيسة في اقتصادنا الوطني، بعضها يتعلق بطبيعة نمط الاقتصاد الريعي وما يترتب عليه من سلوكيات عامة خاطئة وقيم اجتماعية متخلفة مثل النظرة للعمل الفني والمبالغة في الاستهلاك البذخي، والبعض الآخر يتعلق بطبيعة القطاع الخاص الريعي غير الإنتاجي الذي له نصيب الأسد من القوى العاملة الوافدة بحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء (1.6 مليون عامل في القطاع الخاص، أي ما نسبته 60.4% من القوى العاملة، في حين بلغ عدد المواطنين 72 ألفاً أي ما نسبته 4.5% فقط).

بمعنى آخر فإن القطاع الخاص الريعي يتحمل المسؤولية الأكبر عن خلل كل من التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة، وما دامت الحكومة تتبنى، وفقاً لما جاء في وثيقتها الاقتصادية، سياسات اقتصادية نيوليبرالية (الخصخصة) فإن الخلل سيستمر وينمو سنوياً.

Ad

من جانب آخر، فإن هناك عمالة وافدة زائدة على الحاجة في الأجهزة الحكومية يبدو أن وجودها مرتبط بالتزامات سياسية مع بعض الدول العربية، وهناك أيضاً العمالة المنزلية التي تعتبر عاملاً مؤثرا في خلل التركيبة السكانية والقوى العاملة، حيث يصل عددها بحسب الإحصاءات الرسمية بحدود (660) ألف عامل، وهي نتيجة طبيعية لنمط الاقتصاد الريعي والاستهلاك المبالغ فيه، هذا ناهيك عن مافيا الإقامات التي تستقدم عمالة غير ماهرة بمقابل مادي، مع أنها تعتبر عبئا كبيرا على الاقتصاد والمجتمع، وقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن محاسبة مافيا الإقامات إما بسبب نفوذها الكبير وإما بسبب سياسة التنفيع وتعارض المصالح.

من هذا المنطلق فإنه من الخطأ الانجرار خلف التركيز الإعلامي المبالغ فيه في الآونة الأخيرة على الوافدين وتحميلهم، بنبرة لا تخلو من العنصرية البغيضة، وزر خلل التركيبة السكانية وتردي الخدمات العامة، فالوافدون لم يأتوا رغماً عن الدولة، وبعضهم ساهم منذ سنوات طويلة وما زال يساهم في تطوير المجتمع وسدّ حاجات تنموية أساسية.

علاوة على ذلك فإن إلقاء اللائمة على الوافدين بالشكل الذي تصوره هذه الأيام بعض وسائل الإعلام، ويردده بعض السياسيين، سيصرف الأنظار عن الأسباب الرئيسة التي تسبب الخلل، وتتطلب معالجة عاجلة وسياسات اقتصادية جديدة، وهي نمط الاقتصاد الريعي الذي لا يخلق نمواً اقتصادياً مستمراً بإمكانه خلق فرص وظيفية جديدة ودائمة للمواطنين، وأيضاً تركيبة الجهاز الإداري الحكومي المتضخم والالتزامات السياسية، وطبيعة القطاع الخاص الطفيلي الذي يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق العام والدعم الحكومي السخي، في حين أنه لا يخلق فرص عمل للمواطنين، بل يستقدم عمالة وافدة متدنية الأجور من دون أن يتحمل تبعات ذلك، ومن ضمنها تكفله بالتأمين الصحي الشامل على العاملين لديه.