خبر "القبس" المنشور أمس الأول "الاحتياطي العام ينزف 13 مليار دينار... وعجز الموازنة يكاد يساوي نحو 40 في المئة من الاحتياطي العام... واستمرار الحال على هذا المنوال يعني نضوب الاحتياطي في أقل من أربع سنوات". وبقرب مانشيت الخبر السابق كان هناك خبر آخر بأن دول الخليج تعد من أكثر الدول إنفاقاً على السلاح، ولا ندري كيف يمكن فهم هذه المعادلة، تحديداً في مثل الكويت، في دولة تعاني عجزاً في الميزانية يتراكم عاماً بعد عام ويستنزف الاحتياطي العام، ورغم ذلك عقود التسليح توقّع وكأن شيئاً لم يحدث في خبيصة الاقتصاد!

لم تكن الأخبار المعتمة السابقة كافية لسكب الملح على الجراح المالية لدول المنطقة، فيتقدم الرئيس الأميركي ترامب ويبشرنا، ما سبق أن تعهد به في حملته الانتخابية عن ضرورة خلق مناطق آمنة في سورية واليمن تتكفل بمصاريفها دول الخليج، فتلك الدول ليس لديها غير المال، وقال الرئيس الأميركي حرفياً في خبر جاء بـ "رويترز"، ونقل عباراته الأستاذ عبدالباري عطوان في جريدته الإلكترونية "رأي اليوم": الأموال الخليجية مقابل البقاء.. ولا تملكون غير المال ولا وجود لكم من دوننا".

Ad

وسواء كانت عبارات الأستاذ عبدالباري مثل "بلطجة" و"ابتزاز" و"نظرة فوقية متعالية" لوصف موقف ترامب مناسبة أم لا، تظل واقعاً حقيقياً يعبر عن رؤية الإدارة السياسية الأميركية للمنطقة، حين تطالب بثمن باهظ للحماية، أو بتعبير أصدق ثمن "الإتاوة" المفروضة، وكأن صفقات السلاح التي تصب ملياراتها في ميزانية أميركا وتستنزف ميزانية دولنا غير كافية، ولابد من أثمان أخرى يتعين دفعها رغم تصدع اقتصادات المنطقة، ونبقى آخر الأمر أسرى لهذا الارتهان الوجودي عند الدولة العظمى الوحيدة حتى آخر فلس ينفق من مقدرات دولنا.

في مثل الحالة السورية، ربما هناك حاجة إلى منطقة آمنة طالما غابت كل الآمال القريبة بالسلام، لكن لماذا دول الخليج وحدها التي عليها عبء دفع الفواتير كأنها المسؤولة الوحيدة عن مأساة سورية؟ ألا نجد توافقاً في هذا التصور عن مسؤولية دول الخليج بين الرئيس ترامب وبشار الأسد؟ وكأن طبيعة النظام السوري الاستبدادية وتدخلات الدول الكبرى لم تكن من جملة الأسباب المباشرة في دمار الوطن السوري ومد حربه الأهلية إلى غد مجهول.

ليس المطروح الآن مناقشة تحديد مسؤولية حرب سورية واليمن وتضميد جراح الشعبين، بل إيقاظ وعينا لحقيقة الابتزاز لحال دول المنطقة، والتنبه إلى أن المستفيد الأول والكبير من استمرار النزاعات مع إيران وإبعاد أي احتمال لحلول سلمية هما إسرائيل والولايات المتحدة، فلم يعد أحد عندنا يكترث لواقع الاحتلال ومصادرة المزيد من الأراضي العربية لبناء المستوطنات، وأصبح الحديث كله ينصب على الخطر الإيراني، وبالتأكيد هناك مبالغة في هذا الطرح عندما تنفخ على جمر ناره الولايات المتحدة وإسرائيل لمزيد من الاستنزاف لأرصدة دولنا، وكي تظل الأموال تتدفق على شركات مصانع السلاح في الغرب وأميركا.

لا يظهر أن الإدارة الأميركية من شأنها قضية إفقار دول المنطقة وإعسارها بنهج الاستنزاف وما قد ينتج عن ذلك لمستقبل أمنها ووجودها، فليس جديداً على السياسة الأميركية الخارجية تغليب عنصر المصلحة الآنية على المُثل، وإنما يتعين على الإدارات السياسية في دولنا التيقظ لما يجري، والشروع في العمل الجاد لبناء السلام في المنطقة الخليجية بالتفاهم والحوار مهما صعبت الظروف، فلا خيار لنا غير هذا.