بعد ثمانية أعوام مريحة مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، جرى خلالها توقيع اتفاقية النووي، ها هي الجارة "العزيزة" تبدأ تحت وطأة مخاوفها المحقة من دونالد ترامب وإدارته، التي يهيمن عليها أشد الجمهوريين صقورية وعداء، بمد جسور التفاهم مع من أسمتها "الدولة الصديقة" في الخليج، وعلى أساس ما وصفه حميد أبوطالبي، المساعد السياسي للرئيس حسن روحاني، في تغريدات على حسابه في "تويتر"، بضرورة الصداقة والأخوة الإسلامية والعودة إلى العلاقات الدولية، وإنهاء الخلافات الدينية والصراعات الطائفية والتوتر الإقليمي المتزايد في المنطقة.

ويقيناً أن هذا هو ما يريده العرب، والخليجيون منهم في المقدمة، وهنا أغلب الظن أن صاحب هذه التغريدات لايزال يذكر أن الثورة الإيرانية، التي يحيي المسؤولون الإيرانيون في هذه الأيام ذكرى مرور ثمانية وثلاثين عاماً على انتصارها، قد استقبلت في المنطقة العربية، وبخاصة في الخليج العربي، ببعض المخاوف والحسابات الحذرة، ولكن بآمال عريضة بأن المشكلات والإشكالات مع هذه الدولة، التي من المفترض أنها "شقيقة" لا "صديقة" فقط، ستلحق بالشاه السابق، وأنها سترحل بدورها بعد رحيله.

Ad

إنه أمر طبيعي أن تكون هناك بعض المنغصات بين الدول المتحاددة والمتجاورة، فهناك باستمرار سواء في هذه الحالة أو في حالات أخرى في العالم بأسره مصالح متعارضة، لكن المفترض أنه بالحرص على استمرار حسن الجوار تتم معالجة أي تعارض أو تصادم بالتفاهم وبالوسائل السلمية، وبتغليب عوامل الاستقرار على عوامل التوتر، وهنا فإنه على أهل المنطقة الاستراتيجية أن يدركوا كم كلفت سياسة التطلع عبر الحدود المشتركة الإيرانيين و"أشقاءهم" العرب خلال كل هذه السنوات قبل الثورة الإيرانية وبعد انتصارها.

والمؤكد أن كل دول الخليج العربي لديها ما لدى الكويت وسلطنة عمان من رغبة صادقة في وضع حد لهذه التوترات التي تشهدها هذه المنطقة منذ سنوات طويلة، بل لكل هذه الحروب والمواجهات المحتدمة في العراق وسورية ولبنان واليمن أيضاً، مما يعني أن البداية يجب أن تكون، وهذا نقوله بنوايا طيبة لا من قبيل التعجيز ولا المزيد من التوتير، بعودة إيران إلى داخل حدودها، وبصراحة أن تكف عن التدخل في شؤون العرب الداخلية.

والمؤكد أيضاً أن الشعب الإيراني الذي تربطه بالعرب في إطار الإسلام العظيم حقب تاريخية طويلة بحاجة إلى كل هذه الأموال التي تصرف على التدخلات غير الضرورية وغير المحقة في بعض دول هذه المنطقة، وبحاجة إلى كل هؤلاء الشباب الذين تزهق أرواحهم في هذه المغامرات، ولذلك فإن المفترض أنه آن الأوان لوقفة مراجعة شجاعة، فأبوالطيب المتنبي يقول: "الرأي قبل شجاعة الشجعان".

ويقيناً أن إيران التي تشكو الآن من تهديدات ترامب بحاجة إلى الجوار الحسن مع دول الخليج العربي ومع العرب عموماً، أكثر من حاجتها إلى الصواريخ "الباليستية"، وعليها إن أرادت أن تكفي نفسها شر هذه التهديدات، أن تضع حداً بسرعة لتمددها في بعض الدول العربية، وأن توفر كل هذه الجهود والأموال التي يستنزفها هذا التمدد غير المجدي من أجل إبعاد "المسغبة" عن بطون الإيرانيين وإخراج الأمراض من أجسادهم.