هل سبق أن شاهدتَ ملاكماً يُهزم في مباراة حتى قبل رنين الجرس؟ إذا تأملت التحاليل التي تسارع إلى إصدار الأحكام والتي تتضمنها تقارير بعض المصادر الإعلامية عن دردشة ترامب مع الرئيس الصيني تشي جين بينغ، تظن أن ترامب تنازل عن هاواي، وأن الإدارة الأميركية الجديدة سُحقت بالكامل حتى قبل تسديد اللكمات الأولى.

لكن ترامب لم "يبدّل مساره"، وما قام به ترامب بسيط ومتوقع: اتبع خط التفكير المعتمد منذ عهد إدارة نيكسون، ومن الواضح أنه لم يتراجع البتة، إذ "تقر الولايات المتحدة بأن كل الصينيين على جانبَي مضيق تايوان يشددون على أن الصين واحدة".

Ad

في رأيي لم يطرأ أي تغيير على اللعبة، بل يشكّل هذا مجرد إقرار بما هو واضح، فلم نشهد أي ضربة قاضية هنا،

لكن السؤال المهم الذي ينشأ: ما الخطوات التالية في الروابط الأميركية-الصينية؟ هل تبرز الصين بشكل سلمي، كما اعتاد الأستاذ الموقّر جون ميرشايمر أن يسأل، أم نُضطر إلى مواجهة شرك ثوسيديديس الذي تحدث عنه غراهام ت. أليسون؟

يبدو المستقبل حالكاً للأسف، لنتمهل قليلاً ونتأمل الصورة الكاملة للعلاقات الأميركية-الصينية اليوم، فلا شك أن عدد المشاكل التي تواجهها هاتان الأمتان في علاقاتهما ونطاقها يعتبر تاريخيا، فتقف واشنطن وبكين أمام أربعة مسارات محتملة قد تقودهما إلى أزمة كبرى: التوتر بشأن ملكية المناطق في الشرق، وبحر الصين الجنوبي، وتايوان، والخلاف المتنامي اليوم حول مليارات الدولارات في التجارة الثنائية.

من الواضح أن أمام إدارة ترامب، التي تواجه تحريض المحللين المهووسين بالشؤون الآسيوية والتواقين إلى التصدي لسنوات من الهيمنة الصينية، عدداً من الخيارات المطروحة على الطاولة. ويستطيع الفريق الجديد في البيت الأبيض، مثلاً، دراسة عدد من الخيارات السياسية، منها:

- بدء عملية مساعدة تايوان على إعادة بناء جيشها الهرِم المجهز راهناً بغواصات قادرة على خوض الحرب العالمية الثانية لا حروب المستقبل المتطورة تكنولوجياً، ويقترح البعض تحويل هذه الجزيرة إلى ما يشبه حيوان الشيهم من الناحية العسكرية، وهكذا نضمن أن أي عمل عسكري قد تقدِم عليه الصين سيكون مكلفاً جداً ولا يستحق الجهد المبذول.

- الالتزام بتعهد إعادة بناء الجيش الأميركي وتحويله إلى قوة محاربة لن ترغب الصين في العبث معها في أي من مجالات القتال المحتملة، ومع التركيز خصوصاً على قدراتنا في البحر والجو وعبر الإنترنت، لا شك أن بكين ستفكر طويلاً وملياً قبل أن تخوض أي صراع حركي مع الولايات المتحدة، كذلك على فريق ترامب أن يدرس التقرير الأخير الذي نشره مركز التقييمات الاستراتيجية وتقييمات الموازنة والذي يفصّل بطريقة شاملة جداً كيفية إعادة بناء القوة البحرية الأميركية، علماً أن هذه نقطة ضعف على واشنطن تصحيحها.

- إمكان عقد الولايات المتحدة اتفاقات تجارية ثنائية مع اليابان، وفيتنام، والكثير غيرهما، مستبدلةً الشراكة عبر الهادئ ببطء إنما بثبات، ولا شك أن هذه الخطوة ستضمن روابط واشنطن الاقتصادية في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية لأجيال قادمة.

- إقامة شراكة حقيقية مع الهند بهدف التوصل أخيراً إلى تحالف ما، تجمع واشنطن ونيودلهي مصالح مشتركة مع تنامي روابطهما الاقتصادية، وبعد اتخاذ الصين عددا من الخطوات الخطيرة في السنوات الأخيرة، من الضروري أن يتخلى كلا الطرفين عن التردد أو القلق لإقامة شراكة أكثر متانة والتزاماً.

- يريد ترامب أيضاً تحسين العلاقات مع روسيا، وإذا نجح في ذلك، تبقى الصين وحيدة من دون أي شريك قوي تعتمد عليه.

من الواضح أن إدارة ترامب لم تمنح بكين أي أفضلية. على العكس يشكّل هذا إشارة إلى أن الجرس قد رن في مباراة ستدوم على الأرجح 12 جولة وسنشهد خلالها الكثير من اللكمات القوية طوال عقود. لتبدأ المباراة.

* هاري كازيانيس | Harry J. Kazianis