قد تكون المظاهر خادعة، صحيح أن حظر السفر لمدة 90 يوماً قد عُطِّل، إلا أن ترامب لن يواجه أي خسائر في هذه المسألة، وقد بالغ خصومه في الولايات المتحدة والعالم في رد فعلهم من دون أي مبرر، وقد يتخيل مَن اطلع حديثاً على هذه القضية أن الرئيس تسبب في خسارة كبيرة في الأرواح بسبب عمل مخيف ينمّ عن شر أو إهمال، لكن التزامه بالعمليات القانونية، إذا أدى إلى تشريعات قضائية، سيضعف خصومه.

تحوّل أعداء ترامب إلى ما يشبه لاعبي احتياط يصيحون في وجه كل ما يقدِم عليه الرئيس، فقد أخفقت الجهود المبذولة لتصوير طرد وكيلة النائب العام السابقة سالي ياتس لمخالفتها أوامر رؤسائها بظلم مخيف، فقد بدأ البلد يشعر بالسأم، في حين تتراكم هذه الحوادث مع تقدّم ترامب بقوة في أيام رئاسته الأولى. وقع خصومه مرة أخرى في الشرك مع تعليق أن الولايات المتحدة لا تكون دوماً بريئة، فلا يدوم أي خبر لأكثر من يوم أو يومين، في حين يشغل ترامب البلد بدعاية تقدمها له معظم وسائل الإعلام بكره إنما تمنحه مكانة أعلى فوق خصومه، مكانة تتخطى البروز الطبيعي الذي يحظى به الرؤساء عادةً. ولا داعي أن يشعر مَن يتمنون الخير لترامب بالقلق لأنه أدى هذه المناورات بمهارة، فقد حفّز بشكل مدروس غباء شومر وكثيرين غيره ليتحول بعد ذلك بكل جدارة إلى عماد العملية القانونية. يكون خروجه عن الآداب العامة ونوبات غضبه حيناً إشارة إلى غروره الكبير، وأحياناً وسيلة لتصريف الأعمال يعتمدها رئيس للمرة الأولى. لكنه يستخدمها أيضاً في بعض المناسبات كمناورات تكتيكية لاستغلال ضعف القيادة الديمقراطية وغبائها وزمرتها المسلوبة الإرادة في هوليوود ومعظم وسائل الإعلام.

Ad

تُعتبر عرقلة الموافقة على مَن اختارهم لحكومته عملاً فظاً لن يُكتب له النجاح، وتُظهر الوقائع أن ترامب سينجح بالتأكيد في تقديم برنامج رعاية صحية أفضل يطيح ببرنامج أوباما الصحي، لكنه يسير في هذه العملية ببطء لأنه يرغب في تفادي الفوضى التي قد تنجم عن إلغاء نظام قبل البدء بتطبيق البرنامج الجديد، كذلك من المؤكد أنه سيُقدّم اقتطاعات ضريبية للطبقات الوسطى والعاملة.

انطلق ترامب في ثورته، ومن المرجح أن يكون الرئيس الأكثر أهمية منذ عهد ريغان، فلا داعي أن نشدد على أن سياسة الاسترضاء التي اتبعها أوباما في تعامله مع إيران وهزيمته الدبلوماسية المستمرة على يد روسيا البائسة تخضعان اليوم لعملية إعادة ضبط شاملة. في هذه المرحلة من المرجح أن تواصل الثيوقراطية الإيرانية، التي أسكرها انتصارها الساحق في الصفقة النووية، استفزاز ترامب بتجاربها الصاروخية ودعمها للحوثيين في اليمن وحماس وحزب الله في غزة ولبنان. لكن هذا الرئيس لن يتردد في استخدام الهيمنة الأميركية الكبيرة على الأجواء ليلقّن آيات الله درساً مؤلماً، ولا شك أن الجميع، من إسرائيل إلى روسيا والمملكة العربية السعودية حتى مواطني بلده، سيصفقون له.

صحيح أن عهد ترامب لا يزال في بدايته، إلا أنه هذا الرئيس نجح حتى اليوم في بناء قاعدته ودفع الديمقراطيين في طريق لا عودته منه للانضمام إلى مجانين اليسار المتطرف، مقدماً لهم أهدافاً وهمية: الظهور بمظهر الضعيف بسبب الأسلوب المدروس والمفخّم الذي استخدمه في تقديم سياسات ذكية تستميل الناخبين واختياره خيرة الناس لأعلى المناصب. يصعب علينا اليوم تذكّر الأوقات حين كان يُدعى دوماً انتهازياً، ومسيئاً للمرأة، وعنصرياً، أو مغروراً يعشق الظهور على التلفزيون ويعجز عن تنظيم مأتم يضم سيارتين. على نحو مماثل ما عدنا نسمع السخافات المرتابة التي طرحها متطرفو "اليمين البديل".

في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ الولايات المتحدة يحتاج منصب الرئيس إلى رجل قوي، واختارَ اليوم رجلاً ثرياً في السبعين من عمره يملك أسلوباً حازماً غريباً ويفتقر إلى أي خبرة مباشرة في السياسة والقوات المسلحة، رجلاً روّع كثيرين واستهزأ به كل المعلقين تقريباً، ليواصل التفوق على المشككين فيه ويقود البلد في الاتجاه الصحيح بسرعة مذهلة، ومع أداء مماثل بعد كوارث العشرين سنة الماضية تستطيع الولايات المتحدة والعالم تحمل بعض الهفوات في الأسلوب.

* «كونراد بلاك »