كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث عن نهاية وشيكة لليورو وصدرت آخر دعوة الى عدم الثقة بهذه العملة عن مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة الى الاتحاد الأوروبي تيد مالوخ الذي قال أخيراً إن اليورو قد يتعرض الى انهيار خلال الـ 18 شهراً المقبلة.

وبعيداً عن الاعتبارات الدبلوماسية توجد أسباب جوهرية للقلق على اليورو، فعلى سبيل المثال عادت الأزمة اليونانية لتطل برأسها من جديد خاصة بعد عدم اتفاق صندوق النقد الدولي وألمانيا على حزمة جديدة لانقاذ ذلك البلد الذي يتعرض لمبالغ ضخمة على شكل فائدة في الصيف المقبل. وتجدر الاشارة الى اقتراب مواعيد الانتخابات في ألمانيا وفرنسا وربما ايطاليا وهي الدول الثلاث الكبيرة التي تستخدم وتدعم اليورو.

Ad

وفي ألمانيا تبدو المستشارة أنجيلا ميركل في وضع آمن، ولكن حكومة فرنسية بقيادة مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية المتطرفة لليمين الفرنسي أو حكومة ايطالية برئاسة حركة الخمس نجوم الشعبوية بقيادة بيبي غريلو هي من الأمور التي لا يمكن استبعادها، فهاتان الحركتان عارضتا بقوة عضوية بلديهما في اليورو وتعهدتا بعرض استفتاء حول أوروبا، ومثل الرئيس الأميركي تنتقد لوبان وغريلو وأنصارهما أي شيء يحد من قدرتهما على متابعة المصلحة الوطنية بحسب وصفهما، بما في ذلك العملة الواحدة.

وحقيقة أن العملة الأوروبية عانت من أخطاء خطيرة تساعد لوبان وغريلو على طرح وجهة نظرهما بقوة، ولا توجد وزارة خزانة تقف وراء اليورو وسياسة مالية مباشرة، كما يظل الاتحاد المصرفي اللازم لدعم الاتحاد النقدي الأوروبي غير مكتمل ولا يوجد نظام أوروبي حتى الآن يضمن عدم حدوث ذعر وتهافت على المصارف باستثناء نظام يهدف الى اعادة رسملة البنوك المتعثرة.

كما أن البنك المركزي الأوروبي لا ينشر أي تصويت أو وقائع ومجريات وقد يكون البنك المركزي الأكثر استقلالاً في العالم ولكنه أيضاً الأقل عرضة للمساءلة، وكانت الحركة الحرة للعمل تهدف الى المساعدة على تخفيف التباين في منطقة اليورو ولكن العمالة لم تتحرك بحرية قط بين دول منطقة اليورو كما هو الحال بين ولايات أميركا، وتعتبر فوارق اللغة واحدة من الأسباب وراء ذلك، وسوف تصبح الحركة أقل حرية الآن مع تشدد الاتحاد الأوروبي ازاء قضية الهجرة.

ويقر المحللون الأكاديميون بهذا الجانب، وقد أورد جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل العديد من هذه الأخطاء في كتابه بعنوان "اليورو... كيف تهدد عملة مشتركة مستقبل أوروبا".

ولكن المراقبين البارعين سوف يلاحظون أن المشككين سبق أن توقعوا انهيار اليورو منذ تأسيسه في عام 1999 وظلوا مخطئين لحوالي عشرين سنة، ويسهم عنصران في الجمع بين عوامل اليورو، ويتمثل الأول في التكلفة الاقتصادية للانفصال والتي سوف تكون باهظة، إذ يتحدث المستثمرون عن حقيقة أن اليونان تفكر بصورة جدية في اعادة طرح عملتها الدراخما بهدف خفض قيمتها مقابل اليورو أو المارك الألماني الجديد، وبالتالي سوف يتم نقل أموال اليونان الى فرانكفورت، وسوف تتعرض اليونان الى أكبر الأزمات المصرفية وعندئذ سوف ترتفع بشدة قيمة المارك الألماني الجديد، ما يعني تقويض صناعة الصادرات الألمانية.

وبصورة عامة فإن اولئك الذين يتوقعون – أو يدعون – الى انهيار اليورو انما يقللون من تأثير الصعوبات الفنية التي ترافق اعادة تقديم عملات وطنية، وهم يشيرون الى فرض قيود رسملة من أجل منع حملة اليورو من الهرب بينما تصبح الأموال الجديدة قيد التداول، ولكن هؤلاء يتجاهلون تعقيدات ازالة القيود بمجرد أن يتم تبنيها، ويتبين ذلك من خلال ما حدث في أيسلندا وقبرص، حيث تطلب الأمر عدة سنوات لإزالة الرقابة "المؤقتة" فيهما.

ويدعو أنصار هذه الفكرة الى اعادة هيكلة سريعة لديون البنوك والشركات والعائلات التي تعاني التزامات باليورو من دون أن يدركوا أن ديون أحد الأطراف هي أصول بالنسبة الى أطراف اخرى، والأكثر من ذلك وبسبب حدوث الاقراض والاقتراض عبر الحدود فإن الاتفاق على اعادة هيكلة الديون سوف يتطلب مفاوضات مطولة بين الدول في حال سعي الدولة التي تهدف الى التخلي عن اليورو لتفادي اجراءات انتقامية قاسية، وسوف تجعل هذه العملية مفاوضات المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي – البريكست – أشبه بنزهة في حديقة. وتوجد تعقيدات أخرى بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا، إذ سوف تكون مدينة بمبالغ كبيرة للبنك المركزي الأوروبي ولحملة الأسهم فيه، وقد أوضح رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي أخيراً أن الدول التي تقرر التخلي عن اليورو سوف يتعين عليها مواجهة هذه الأزمة، وبالنسبة الى ايطاليا تصل تلك المبالغ الى 360 مليار يورو ( 383 مليار دولار ) أو حوالي 6000 يورو لكل رجل وامرأة وطفل، وإذا اختارت دولة مثل ايطاليا التخلف عن السداد فإنها سوف تطرد من الاتحاد الأوروبي.

ويوصلنا هذا الى الدول الأوروبية التي لا تزال تعلق أهمية كبيرة على عضوية الاتحاد الأوروبي، وتزداد تلك الأهمية الآن بعد أن ألقى الرئيس الأميركي ترامب بظلال الشك على حلف شمال الأطلسي، كما أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر حليفاً يعول عليه.

* Barry Eichengreen