لا يمكن إنكار الدور المحوري للولايات المتحدة في الخريطة العالمية، ولا يمكن تجاهل تصريحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب التي يعتبرها الكثير مثيرة للجدل وتحمل في طياتها «الأكشن الأميركي»، ولكن من السذاجة أن يبقى العالم أسير تغريدات السيد ترامب، وأنه بالفعل الآمر الناهي في عالم السياسة الدولية، وكأن مفاتيح اللعبة العالمية ومقدراتها وطرق التحكم فيها ونتائجها مرهونة بيد رجل البيت الأبيض.

في العالم العربي لدينا عقدة أن مصيرنا يكتبه غيرنا، وأننا مسلوبو الإرادة إلى حد الاستسلام، بحيث نترك قضايانا ومشاكلنا وخططنا ونتسمّر أمام وسائل التواصل الاجتماعي لنرى ما يقوله أو يفعله ترامب، وما يدعو إلى السخرية أن الشعب الأميركي بقطاعاته المتنوعة وشخصياته السياسية والإعلامية والقانونية يقود حملة غير مسبوقة لانتقاد رئيسه وبكل قوة بدءاً بالاستهزاء وانتهاءً بالاحتجاجات والمظاهرات، وحتى تعطيل قراراته التنفيذية مثلما حكم قاضي مدينة سياتل وأوقف قرار منع رعايا بعض الدول ذات الأغلبية الإسلامية من دخول الولايات المتحدة.

Ad

قد يفسر البعض توجهات الرئيس ترامب بأنها نابعة من فكر يميني وعنصري متطرف، يكنّ العداء للعرب والمسلمين والصينيين واللاتينيين والأفارقة، وأنه يتبنى مقولة أميركا للجنس الأنجلوسكسوني الأبيض، أو أنه يريد إدارة الولايات المتحدة وعلاقاته مع العالم كإحدى شركاته، وهذا الانطباع قد يكون صحيحاً إلى حد ما، ولكن يبدو أن الرجل مصاب بعقدة أوباما، ولذا يسعى في كل مواقفه أن ينسف كل ما تبناه الرئيس السابق سواءً على صعيد السياسة الداخلية كمشروع أوباما الصحي وتخفيض الضرائب أو فتح باب الهجرة أو غلق بعض الملفات الدولية كإيران وكوبا والعراق، والأهم من ذلك السياسة الأميركية المتشددة إزاء إسرائيل، والدخول في صراع ثنائي القطبية مع الدب الروسي.

فإذا قارنا تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية أو قراراته السريعة بعد توليه المنصب نجدها بوضوح ضد ما بناه سلفه خلال عقد من الزمن، ويظل مثل هذا التوجه من حقه كرئيس منتخب يحاسبه ويراقبه في ذلك الشعب الأميركي.

لكن ترامب بحركاته البهلوانية وقراراته التي يحاول أن يثبت من خلالها أنه الرجل الحديدي سيسدي خدمة غير مسبوقة للعالم، فالتذمر والقلق يساوران عموم أوروبا باستثناء بريطانيا، وآسيا باستثناء اليابان، ويساوران الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، وكذا كندا وأميركا الجنوبية، الأمر الذي قد يترك لدول العالم الكبيرة منها والصغيرة إعادة التفكير في رسم علاقاتها، والاعتماد على نفسها، والتخلص ولو جزئياً من أعباء السياسة الأميركية التي صارت مكلفة، ليس ضد خصومها فحسب إنما على أقرب حلفائها، حيث فشلت الإدارات الأميركية، خصوصاً ذات التوجه اليميني المتشدد في خلق أي نوع من الاستقرار العالمي، ولم تجلب عنترياتها إلا الويلات للعالم، وآخرها في أفغانستان والعراق وما نجم عنهما من ولادة «داعش» وأخواته التي باتت تهدد العالم برمته، فهل نتعظ من تلك الدروس؟!