ربما رأى البعض في عنوان فيلم «القرد بيتكلم» ما يثير الدهشة، والحيرة، لكن من يتابع أحداث الفيلم سيُدرك أنه كلمة السر المتفق عليها بين النصاب «طه» (عمرو واكد) لاعب الثلاث ورقات و«الطرف الآخر» في العملية التي استهدفت احتجاز رهائن في «السيرك الأوروبي»، الذي يقدم عروضه في ضاحية المعادي بمصر!

عملية كان الهدف منها مقايضة الرهائن بالأب «يونس الشناوي» (محمود الجندي) الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد، بسبب تواجده على مقربة من الانفجار الذي أطاح بفندق سياحي في سيناء، واستثمر «الطرف الآخر» رغبة «طه» وشقيقه «رشاد» (أحمد الفيشاوي) في الثأر ممن ظلم والدهما، ونجح في وضع خطة احتجاز الرهائن، وابتزاز الأجهزة الأمنية والسيادية! سيناريو «القرد بيتكلم» ينتمي إلى نوعية الأفلام التي تعتمد بشكل كبير على الانقلاب الذي يعتري الحبكة Plot Twist ويُحدث تحولاً في مجريات الأحداث، وهي النوعية التي صارت السينما المصرية تلجأ إليها كثيراً في الآونة الأخيرة، حتى لو لم يتقنها بعض كتاب السيناريو! عناوين، ودعاية، فيلم «القرد بيتكلم» تُشير، بجرأة غريبة، إلى أنه من تأليف وإخراج بيتر ميمي بينما كان على المخرج الشاب، الذي أثنينا على تجربته في «الهرم الرابع»، أن يعترف، من باب الأمانة الإبداعية، أن ثمة مراجع Refrences تأثر بها، ونقل عنها، سواء من السينما العالمية، مثل فيلم الغموض والإثارة والجريمة الأميركي (Now You See Me (2013، الذي عُرض تجارياً تحت اسم «الآن تراني»، أو المشهد الشهير في الفيلم المصري «لصوص لكن ظرفاء» (1968) قصة وسيناريو وحوار فاروق الشهاوي وإبراهيم لطفي وإخراج إبراهيم لطفي!

Ad

بالطبع أجرى «ميمي» بعض التعديلات على سيناريو فيلمه، في محاولة للتعتيم على الأصل أو لأنه وقع في غرام الفكرة فقط، لكن شبهة السطو ظلت تلاحقه، نظراً لأنه نقل مشاهد بعينها «نقل مسطرة»، على رأسها ابتزاز مدير البنك (علاء زينهم) بالصور الفاضحة ( في الفيلم الأميركي ابتزاز زوج يُقيم علاقة جنسية مع شقيقة زوجته)، واستبداله السحرة الأربعة: «داني» (جيسي آدم آيزينبيرغ)، «ميريت» (وودي هارلسون)، «هينلي» (آيسلا فيشر)، و«جاك» (ديف فرانكو) بثلاثة فقط هم: «رشاد» وشقيقه «طه» وصديقته «توته» (ريهام حجاج)، لكنه تجاهل، لسبب يعرفه وحده، القوة الكامنة في شخصية «تداوس برادلي» (مورغان فريمان) مقدم البرنامج التلفزيوني الشهير «سر السحر»، الذي تخصص في كشف أسرار ألاعيب السحرة، وتأكيده أن مقدمات السحر ظهرت في مصر القديمة، وأن استخدام السحر والوهم، وخفة اليد في سرقة الطعام من الفرعون ومنحه للعبيد، كان يستهدف تحقيق العدالة، في حين غرق «القرد بيتكلم»، وأغرقنا، في حديث سقيم ودخيل عن الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة، والعلاقة المضطربة بين وزير الداخلية (بيومي فؤاد) والعميد الفاسد «زكريا ألمظ» (سيد رجب) والكراهية العجيبة التي انقلبت فجأة إلى حب وخوف على حياته، عقب إصراره على مفاوضة المختطفين، بينما ينهار المبرر وراء قرار طرد «زكريا» من الخدمة لسوء السلوك بعد أن يحكي أنه أحب امرأة لكن قياداته في الداخلية رفضت ارتباطه بها!

لا أنكر أن بيومي فؤاد أضفى خفة ظل على شخصية وزير الداخلية، بعكس سيد رجب الذي لم يبذل جهداً من أي نوع في إضفاء واقعية على شخصية الضابط المنحرف، فمن أول وهلة تُدرك أنه شرير، وأنه «الطرف الثالث»، الذي يُحرك الأحداث، ويسيطر، ببلاهة، على مختطفي الرهائن، ومن ثم بدا انقلاب الحبكة Plot Twist ساذجاً وهشاً ومفضوحاً بدرجة كبيرة!

في مستهل أحداث فيلم «القرد بيتكلم» تهبط علينا عبارة «ما تخافش من القرد.. خاف من خلفته»، في إشارة إلى أن الشقيقين ورثا مهنة النصب عن والدهما، وهو ما يوحي بأن «الإجرام وراثة في دمهما»، وينسف أي تعاطف حيالهما، وهو ما حدث بالفعل، سواء بسبب الكتابة الركيكة أو الأداء المبالغ فيه، والمنفعل، من عمرو واكد وأحمد الفيشاوي، والباهت من ريهام حجاج، ولولا التصوير الرائع والإضاءة (أحمد كردوس) والإبهار (إخراج فني سامر الجمال ) وحماسة الإنتاج (سيف عريبي) والإيقاع السريع اللاهث، في بداية الفيلم، للمخرج بيتر ميمي، والإسقاط على العلاقة المتوترة بين الإعلام والسلطات الأمنية، وتأصيل الإرهاب بوصفه نتاج القبض العشوائي في القضايا الأمنية، لوجدنا أنفسنا أمام فيلم يكرس «الاستظراف» ويرسخ الهزل وقت الجد (تمثيلية الرهائن وهروب رجال القوة الخاصة من الأسود وكذلك الهارب الخارق بالدراجة البخارية ) رغم أن «رصاصة واحدة» كانت تكفي لوضع نهاية للعبث المسمى «القرد بيتكلم»!