ولما صار الوقت أكثر شحاً من ذي قبل، وصارت الأيام تمضي كسرعة البرق أو أسرع أُجْبِرنا كغيرنا من الأسر على التكيف والتأقلم مع كل ما يطرأ من تغييرات حديثة مواكبة للعصر الحالي، فتغيرت أولوياتنا وتغيرت مسؤولياتنا وكذلك واجباتنا... وضاقت بنا السبل ذرعاً لنجد أنفسنا رغماً عنا متكئين على أكتاف الغرباء نحتاج إليهم عوناً وسنداً لنا!

وهكذا صار لزاماً على كل بيت أن يجلب عمالة من الخارج تساعده فيما يتعذر عليه القيام به أو في ما يحول وقته الضيق بين أن يجمع بينه وبين مسؤولياته، فلا يجد سوى أيادٍ «طيبة جداً» لتساعده، على حد «نيته».

Ad

تزداد تلك الأيادي بازدياد الحاجة إليها! وتزداد نيتنا الطيبة إزاءها بازدياد اعتمادنا عليها! هم غرباء... ليسوا أصدقاء ولا أقرباء، ومع ذلك يصيرون لنا جميع ما سبق بترخيصٍ مطق منا! فيتوغلون بيننا... كسم أفعى مخدر سريع المفعول، هم أكثر الأشخاص حظاً في مسألة حسن الظن والعذر.. فرغم أخطائهم المتعمدة أو غير المتعمدة نسامحهم ونثق بهم إلى أقصى حد!

نعم ورغم أنهم غرباء فهم أكثر من يعرفنا على حقيقتنا... وأكثر من يعرف خصوصياتنا وما يدور في بيوتنا ومع أزواجنا وأبنائنا، ومشاكلنا، وفي أحيان كثيرة صناديق الكنوز المكنوزة التي نظن أنها محكمة الحجب والحفظ! يعرفون عنا كل شيء، ولا نعرف عنهم أي شيء حتى أسماءهم والتي عادة ما نناديهم بغيرها! لا نعرف سوى أننا نحتاج إليهم، فلا شيء عدا ذلك يهمنا، أما هم، فلربما يتعجبون من تعلقنا بهم المفرط، فتتطور مهنتهم شيئاً فشيئاً إلى أن تصيب قلب الأسرة وصلبها!

من قال إن البيوت أسرار؟ لم تعد كذلك يا عزيزي، أبشرك بأن أخبارك بل وروتين يومك ونفسيتك ومزاجيتك وحتى طريقة كلامك كلها أضحت مسربة إلى عاملة منزل جاركم والتي تحكي بدورها إلى «المعزبة « لكسب ودها... فتقوم الأخيرة بنقل أخبارك إلى زوجها «جارك» وأنتم «يا غافلين لكم الله»! أضحت أسرار بيوتك مسربة مكشوفة وأنتم لا تعلمون.

غير أن كل ما سبق قد يبدو هيناً عند المقارنة بالكثيرات من العاملات اللاتي لا يعرفن لله سبيلاً... أولئك الذين خربوا بيوتاً عمرها الحب والاستقرار.

جاؤوك من قارات وبيئات مختلفة ليجدوا عندك جنة لم ترها أعينهم من قبل، أولئك الذين طغى سواد قلبهم وجشعهم على حاجتهم فتمادوا! أولئك الذين قلبوا حياتك رأساً على عقب في ظرف أشهر! لا أتكلم عمن لم تكن أنت منصفاً معهم، فكل ما يحدث لك حينها قد تستحقه لأنك الملوم في هذه الحال! لكنني أتكلم عمن نكون معهم كمن نكون مع أقرباء لنا.. عمن نعطيهم أكثر مما يستحقون رغم عدم استحقاقهم! إلا أن لكل شيء حداً، فلا يعقل أن تسلم زمام تربية أبنائك لهم، أو أن تكشف أمامهم ما لا يجب كشفه من أسرار وخصوصيات، أو أن تعطيهم مهام غير التي أحضرتهم من أجلها منذ البداية.

كل شيء يا عزيزي لابد أن توضع له حدود لترسم بها خريطة شؤون الآخرين فلا يتعداها من لا شأن له، وكل شيء يزيد على حده ينقلب إلى ضده، فاحذروا من الضعاف أولئك الذين إذا ظلمتهم فلن يرد دعوتهم عليك أحد! وإن أوكلت إليهم ما لا يعنيهم صاروا لك جحيماً من نوع آخر، ومنهم أيضاً كثير إن أكرمتهم ردوا إحسانك لؤماً ما سمعت عن مثله من قبل ذلك!

فكن منصفاً ممسكاً العصا من النصف دون ميل وإسراف أو جور، كن مسؤولاً دون أن توكل المهام التي يجب أن تضطلع بها بنفسك إلى أحد، فقد قال المثل «ما حك ظهيرك إلا ظفيرك»!، وكن على يقين وتأكد من أن هناك من بين العمالة جواسيس كثراً، ومن المؤسف أنك قد لا تعرف ذلك إلا بعد فوات الأوان، فالحذر الحذر.