سبق أن أدت علاقة ترامب الغامضة بالكرملين وقائده إلى مصادر اضطراب كبيرة في السياسات الأميركية والشؤون العالمية، لكن نظرة الرئيس المنتخب الأكثر إيجابية إلى روسيا تقدّم فرصة واحدة مثيرة للاهتمام على الأقل. ربما تنجح واشنطن وموسكو أخيراً في الاتفاق بشأن نظام أمني أوروبي جديد وإنهاء الصراعات المجمدة أو غير المجمدة تماماً في المحيط الروسي.

تستمر الصراعات المجمدة أو غير المجمدة تماماً في دول أوكرانيا، ومولدوفا، وأرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا، فيما تواجه روسيا البيضاء حالة من الركود، ونتيجة لذلك يتواصل خطر الانفجار في هذه المنطقة، التي قلما تتقدم اقتصادياً أو سياسياً.

Ad

لا تنجح عمليات السلام المختلفة بين الأطراف المحلية في تقديم حل لهذه الصراعات، لطالما اقتضى الحل أن تتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق يستطيع كلا الطرفين تقبّله ويحدد طريقة التعامل مع هذه الدول، ولكن في جو من انعدام الثقة العميق بشأن نوايا الآخر، الذي يصل إلى حد الريبة المريضية، ظلّ هذا الاتفاق بعيد المنال أو حتى مستحيلاً. نتيجة لذلك اعتُبر الانجرار إلى حرب باردة جديدة محتماً.

حتى قبل تسلّم ترامب منصبه، دفع موقفه من روسيا اللاعبين المحليين إلى القبول بضرورة التوصل إلى تسوية، ففي مقال نُشر أخيراً في مجلة وول ستريت جورنال، أعرب فيكتور بينتشاك، صناعي أوكراني ثري ومحسن بارز في طموحات أوكرانيا الأوروبية، عن استسلامه في خطوة استباقية.

عند تأمل مقاربة ترامب الجديدة، أيّد بينتشاك قبول الأوكرانيين "بتسويات السلام المؤلمة"، التي تعهد بوروشينكو بألا يرضى بها مطلقاً، بما فيها التخلي عن أهداف مثل عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بكلمات أخرى رضخ بينتشاك أخيراً للمأساة الجغرافية التي تعانيها أوكرانيا بسبب قربها من روسيا.

لكن المفارقة تكمن في أن ترامب وبوتين بحد ذاتهما، فضلاً عن التفاعل المحتمل بينهما بعد تسلّم ترامب منصبه، سيشكلان العقبة الكبرى في طريق تسوية مماثلة. تنبع وجهات نظر ترامب من روسيا، كما من جميع مسائل السياسة الخارجية، من وجهات نظر خاصة به. لا تولوا اهتماماً كبيراً للكثير من إعلاناته المتناقضة بشأن سياسات محددة، إذ يسعى ترامب إلى تصوير نفسه كقائد قوي و"منتصر" يستحق احترام كل مَن يقف أمامه ويناله، صحيح أن بوتين أكثر تحفظاً، إلا أنه يتبع مقاربة متفاخرة مماثلة إلى السياسة.

بكلمات أخرى، لا يشدد كل من بوتين وترامب على الانتصار فحسب، بل أيضاً على ملاحظة الجميع انتصارهما، ولكن في منافسة القوى العظمى، التي تشمل دوماً غالباً ومغلوباً، من الصعب أن يُعتبر كلاهما فائزين. فضلاً عن ذلك، قلما يُقاوم الكرملين ووسائل الإعلام الروسية أي فرصة تُتاح لهما للسخرية من مشقة الولايات المتحدة، ولم يبدلا عادتهما هذه قبل انتخاب ترامب وبعده.

على غرار الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما من قبله، يبدو أن الرئيس المنتخب ترامب سيُصاب بخيبة أمل في تعامله مع بوتين، ولكن بخلافهما يتراجع احتمال تفاعله مع أنواع الإذلال الجيو-سياسي التي يهوى بوتين التسبب بها بمهارة تنبع من إحساس المرء بقوته وغايته، ولكن بما أن ترامب كثير التقلب وسريع الاستياء، قد تولّد ردود فعله منافسةً أكبر بين روسيا والولايات المتحدة بشأن "الدول المتنافس عليها بينهما"، وقد نكتشف في السنوات المقبلة أن الأوكرانيين الغربيين أنفسهم يفتقدون بأسى انفصال أوباما الهادئ عن مشاكلهم.

* جيريمي شابيرو - Jeremy Shapiro