حتى الآن يبدو أن الرئيس الأميركي (الجديد) دونالد ترامب مصرٌ ومصمم على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والقدس كلها محتلة، الجزء الغربي والجزء الشرقي منها، الذي احتل عام 1967، ولعل التهديد الوحيد الذي سمعناه رداً على هذا الإجراء الخطير فعلاً، إن هو حصل، هو تلويح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بسحب اعتراف منظمة التحرير والسلطة الوطنية بإسرائيل، أي التخلي عن اتفاقية أوسلو، وما ترتب عليها من "إجراءات"، أهمها قيام الدولة الفلسطينية، الذي كان من المفترض أن يكون عام 1997.

وحقيقة إن تهديد أبو مازن حتى لو أنه تم فعلاً فربما... لا بل المؤكد أن الإسرائيليين سيكونون أسعد الناس به، فهم لا ينتظرون اعترافاً فلسطينياً بدولتهم التي قامت على البغي والاحتلال، وهم كما هو معروف قد أفرغوا عملياً "اتفاقيات أوسلو" من مضمونها بمواصلتهم عمليات الاستيطان، وتفتيت الضفة الغربية جغرافياً، وهكذا وبالتالي فإن هذا التهديد لا قيمة فعلية له، وبخاصة إذا لم يستند إلى إجراءات دولية رادعة من الدول الصديقة، التي في مقدمتها فرنسا التي قد تتغير مواقفها إذا فاز اليمين الفرنسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

Ad

وهنا وحتى لا يكون تهديد أبو مازن مجرد تلويح بسيف من خشب فإن المفترض أن يكون هناك رد عربي ليس على إسرائيل، التي لم يعترف معظم العرب بها حتى الآن، وإنما على الرئيس دونالد ترامب والولايات المتحدة... والرد المطلوب، وهذا لو أن الوضع العربي ليس على هذه الحالة المزرية، وأنه "لا يسر الصديق ولا يغيض العدا"، هو إقفال السفارات العربية في واشنطن... وأيضاً قطع العلاقات الدبلوماسية معها!

وبالطبع فإن هذا مطلب تعجيزي، وربما يصفه البعض بأنه "جنوني"، ويصفه آخرون بأنه مجرد "مزايدة" فارغة... لكن ما هو العمل يا ترى...؟ هل نترك لـ"داعش" الإرهابي أن يغطي على هذا العجز، وأن يظهر أمام الجماهير العربية، ليس الغفيرة وإنما الغفورة، أنه حامي حمى القدس الشريف، وأنه الذائد الوحيد عن حياض هذه الأمة...؟!

إذن وفي حين أن رحيل السفارات العربية عن واشنطن غير ممكن، ويجب ألا نتوقعه، ولو في الحدود الدنيا، فإن ما يمكن أن يكون مقبولاً أن يكون للقمة العربية المقبلة، التي ستعقد في الأردن، في أقرب مكان من القدس الشريف، موقف جاد ليس من إسرائيل، التي هي عدو مبين، وإنما من الولايات المتحدة، التي بقيت تشكل الحاضنة الفعلية لهذه الدولة المغتصبة منذ عام 1948 حتى الآن، والتي لولاها لما عربد بنيامين نتنياهو كل هذه العربدة التي تجاوزت كل الحدود.