جاءت أزمة الكهرباء الأخيرة في قطاع غزة لتشد الانتباه لمعاناة سكان قطاع غزة التي لم يكن يجب أن تنسى أصلاً.

ولعلها مناسبة لايضاح بعض الحقائق التي يجهلها بعض الناس ويتجاهلها آخرون.

Ad

مساحة قطاع غزة لا تتجاوز 362 كم2، ويعيش فيه نحو مليوني فلسطيني مما يجعله واحداً من أشد مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، أكثر من 70% منهم من اللاجئين الذين هجروا من وطنهم عام 1948.

غير أن المساحة الفعلية المتاحة أقل من ذلك، حيث تقتطع إسرائيل 87 كم2 أي ربع مساحة القطاع وتعتبرها مناطق عازلة يتعرض من يعمل فيها أو يزرعها لخطر القتل من جيش الاحتلال.

ويعيش قطاع غزة حالة حصار خانق فرضته إسرائيل منذ عام 2006، وأوقح الأكاذيب الإسرائيلية ما تدعيه بأنها انسحبت من قطاع غزة عام 2005، فهي لم تنسحب بل أعادت الانتشار لتخفف عن نفسها عبء السيطرة على أرض جعلتها المقاومة جحيماً لجيشها، ولتزيل عن كاهلها عبء المسؤولية عن حياة سكانه أمام المجتمع الدولي.

وفعلياً أنشأت إسرائيل نوعاً جديداً من الاحتلال الأقل كلفة، فهي تسيطر على المعابر وتتحكم بما، وبمن، يدخل ويخرج. وطائراتها تحلق على مدار الساعة في كل أجواء غزة وصواريخها جاهزة لقصف أي مكان في أي لحظة. وشرّعت بذلك لنفسها حقّ شن حروب على أراض ما زالت تحتلها.

وسفنها تطبق على بحر غزة، ولا يستطيع الصيادون الدخول إلى عمق يتجاوز ثلاثة إلى ستة أميال، في مياه معظمها ملوثة.

ولا يمر أسبوع دون أن يتعرض صياد للقنص والإصابة أو الاعتقال، وأبشع ما حدث الأسبوع الماضي كان سحق طراد إسرائيلي للصياد الفلسطيني محمد الهسي وقاربه، فاختفى جثمانه في غياهب البحر واضطرت عائلته المفجوعة أن تشيع جنازته شهيدا بلا جثمان.

96 في المئة من مياه غزة غير صالحة للشرب، إما بسبب التلوث أو الملوحة، ومنذ عقود تحشر إسرائيل المصدر الطبيعي لأحواض المياه في غزة من أمطار جبال الخليل بسدود بنتها تحت الأرض، وقد استنزفت المستوطنات الإسرائيلية مياه القطاع ستة وثلاثين عاماً حتى أرهقتها، فرحلت وتركتها خراباً.

نجحت في أن أصل إلى غزة خلال الحربين الإسرائيليتين الأخيرتين عليه عام 2012 و2014 فرأيت مجازر وأهوالا ارتكبها جيش ما يسمى بالدولة "الديمقراطية" إسرائيل، يعجز اللسان عن وصفها. رؤوس أطفال مقطعة وأشلاء نساء ممزقة، وقذائف تبخر الأعضاء الداخلية لجسم الإنسان، ودمار طال حتى شبكات المياه والكهرباء والمجاري التي تتدفق ملوثة بحر غزة.

لو أن جيشاً آخر في العالم قتل 590 طفلاً بهذه الوحشية خلال العدوان الأخير لقامت الدنيا ولم تقعد، لكن ذلك لم يحدث لأن القاتل جيش إسرائيل والقتلى أطفال فلسطين.

في غزة أكثر من 70% من الخريجين والخريجات يعانون البطالة، والآن يضاف لهذه المعاناة انخفاض مدة توافر الكهرباء من ثماني ساعات يومياً لأقل من أربع ساعات، ولكم أن تتخيلوا معاناة امرأة تحاول جاهدة وهي تتخبط في فقرها أن تحافظ على سلامة طعام أطفالها بلا كهرباء ولا ثلاجات، كما لكم أن تتخيلوا كيف يدير طبيب مستشفاه وعملياته الجراحية بلا انتظام للطاقة الكهربائية، ولكم أن تتخيلوا حجم التلوث الذي تحدثه آلاف الماتورات الصغيرة التي يضطر الناس لشرائها، مقتطعين من قوت يومهم ثمن السولار الذي يغذيها.

كل هذا وبئر غاز يخص فلسطين يجثم على مسافة صغيرة في بحر غزة وتكفي طاقته لتزويد غزة بكل ما تحتاجه من كهرباء وطاقة وأكثر، لكننا محرومون من الوصول إليه من قبل حراب الاحتلال، ولن يزول هذا الظلم إلا بزوال الاحتلال الذي ظن البعض خاطئا أنه اختفى، ولن نزيل هذا الاحتلال إن لم ننه خلافاتنا وانقساماتنا الداخلية وصراعاتنا التي يتفرج المحتلون عليها ويستمتعون بها.

إن لم تكن كل هذه الحقائق كافية لتؤثر في الساسة، فلربما يؤثر فيهم أنين أطفال يفقدون حياتهم كل يوم في خضم هذه المعانــاة.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية