كعادتي أهوى تخليص معاملاتي بنفسي، لا سيما إذا ارتبطت المعاملة بالمؤسسات الحكومية الموبوءة بالرشا "وحب الخشوم"، مع أنني لا أفضلها خشية أن أقع في المحظور والعياذ بالله. وما بين ماراثون تخليص المعاملة وبين مكاتب المسؤولين إذا بي أشم رائحة فساد تتبعتُ أثرها حتى قادتني إلى غرفة الأرشيف الخاصة بعقارات عاصمة الكويت، ففيها كل الوثائق من مبانٍ سكنية وتجارية واستثمارية والتي تقدر بمئات المليارات!

تأملت غرفة الأرشيف ووثائق المباني مصفوفة في الأدراج بلا قيد، ولم أجد كاميرا مراقبة، ولا حراسة مشددة على المبنى، عفواً أقصد "الچبره"، إي والله "چبره" فيها وثائق تقدر بمئات المليارات دون أدنى مبالاة من وزارة البلدية. وزادني مرارة عندما علمت أنها النسخ الوحيدة، فالوزارة لم تتطور بعد إلى درجة نسخ هذه الوثائق على شكل آلي كي تخزن في الحاسب الآلي! واسترعيت انتباه المسؤولين إلى سيناريو قد يفعله من يريد بالكويت شراً، وهو أن يدخل من بوابة البلدية المشرعة، ومنها إلى الأرشيف ليضرم فيها النار، فتحترق كل الوثائق وتحصل الكارثة، هنا ذهل المسؤولون وقالوا: "الله الحافظ شنقول بعد؟!".

Ad

وللأمانة هفت نفسي إلى تصوير غرفة الأرشيف كي أنشرها ومن ثم يحصل الإصلاح المطلوب من قبل الوزارة، لكنني إن فعلت فقد نقضت الاتفاق الذي بيني وبين المسؤولين وخالفت القانون، لهذا أكتفي هنا بالتنبيه والوعيد بأنه في حال لم يتم إصلاح غرفة الأرشيف وتأمينها بالكاميرات والحراسة المشددة والاحتراز من أي حريق، والإسراع بنسخ الوثائق بشكل آلي، فلا تستبعد وزارة البلدية أن نرسل مخبراً يقوم بتصوير غرفة الأرشيف، فننشرها على مانشيت الصفحة الأولى!

وإليكم مقارنة خفيفة تبين الفرق بين تعامل القطاعين الحكومي والخاص مع الوثائق السرية، قبل عام ونيف زرت المقر الرئيس لموقع "طلبات" الذي اشترته شركة روكت الألمانية بـ٥٠ مليون دينار، وأثناء الجولة أطلعوني على غرفة "السيرفر" التي تحتوي على بيانات الشركة والعملاء وكل التعاملات، وقد أمن عليها بطريقة احترافية وجودة عالية، في حين أن غرفة الأرشيف في البلدية الحافظة لوثائق بمئات المليارات يستطيع أي مستهتر إحراقها بسيجارة!