ذروة الذكاء البساطة، فالعبارة الوجيزة تسحر، ورسمة ضربة ريشة تبهر، النكتة ذات الجملة الواحدة تفجر الصدور ضحكا، والمدحة ذات الكلمة الواحدة الصادقة تغني عن مجلدات، والاختراع الأرخص والأيسر تركيبا أوسع انتشارا، والعلاج الطبي الأسرع والأسهل أجدى وأمضى.

سأثبت في هذا المقال أننا نعاني خرافة تحديات الإرادة التي أنستنا حقيقة "الأقل للأكثر"، فهذا اللفظ المتسهجن صدر عن الإيطالي دافينشي، حيث عبر عن الفن بأنه يُهجر ولا يُكمل! واعتبر اختراعاته لبنة صغيرة في مبنى حضارة البشر، وليس عليه أن يعيد بناء حضارة البشر كما وصف الجاهلون إنجازاته!

Ad

فمن دافينشي إلى المتنبي، ومن قواعد فنون القتال إلى علاجات نفس الإنسان، وسأثبت أaن السهولة هي سبيل البطولة، فعادات المجتمع وتقاليده لا يقتصر تأثيرها على لون "الدشداشة"، فهي تخيط العقول والقلوب، إذ نُسجت عقولنا على مبادئ تحدي أنفسنا ووهم التلذذ بالمشقة لتحبسنا هذه القضايا الخاسرة، فتعتبر فائدة النار بأكلها لنفسها.

ولكن المتبصر يجد دافينشي يصوغ هذه المعادلة كقاعدة لحياته وهي شفرة تختزل فكرة تأثير قطع الدومينو، حيث تكون أتفه حركة سبباً لتسلسل أعظم نتائج، بخلاف تفكير خريجي الألف تخصص وتخصص العاجزين عن الاختراع والإنتاج.

حتى المتنبي كان نجاحه الشعري الباهر بتوضيح الواضح بأسلوب جاذب، حيث كان شعره رمز البساطة، فأعظم قصائده كانت في غاية السلاسة، كما قال رحمه الله:

حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي

المَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ

وهذا هو سحر البيان.

وفي فنون القتال نجد قاعدة اللا تعقيد أنفع، فيتسيّد الملاكم بالشجار الواقعي الموقف أمام رقصات الكونغ فو البهلاوانية، كذلك نجد علاج الحمى والسعال والزكام بمضغ العكبر الحاوي ثلاثمئة مركب كيميائي يغنيك عن الصيدلية!

وفي الدين نجد ابن القيم يرد على الذين يمطون التلاوة ويؤخرون تسليمهم في الصلاة بقوله: "ومما يردده الجهلاء الأجر على قدر المشقة!"، كما أوضح بأن العمل لا يُرحى منه إلا الثمر.

ورغم أن أبرك إنجاز بشري هو حفظ القرآن الكريم الذي لُخص بهذه الآية "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر"، لا نزال نسمع الناس يشكون ضيق الوقت أو يتعذرون بافتقارهم أحسن المحفظين، وفي الوقت ذاته يسخر هذا المجتمع الحريص على الوقت من التكنولوجيا حينما تطوي لهم الزمان! فالذكي المسلم يبقى بهناء فانٍ إلى نعيم باق!