لا أعرف كيف أبدأ ومن أين أبدأ في الحديث عنه، أو بعبارة أخرى في الحديث عنه فيّ، فهو كثير وكثير لدي: صديقٌ، أخٌ، رفيقٌ، خليلٌ، معلمٌ، تلميذٌ، يكبرني في كلّ شيء، في عطائه وفي أخلاقه وفي تعامله.

حين صدر كتاب "المخطوطات والمطبوعات الكويتية، النادرة" في مكتبة خالد سعود الزيد بالاشتراك مع معلمي خالد سعود الزيد في عام 1990 أهديته نسخة منه وكتبت في الإهداء:

Ad

اثنان نحن وفي الحقيقة واحد

لكن أنـــــــــــا الأدنى وأنت الأكبرُ

أخذ بيدي إلى معلمي وأستاذي خالد سعود الزيد، فجلسنا نتلقى العلم عنه سويّاً، يُعاضد بعضنا بعضا، ويُؤازر كلّ منا الآخر في التلقي والترقي والصبر على لأواء الطريق وآلائه.

اتصال يومي، ولقاء أسبوعي، وعلاقة أسرية لم تزل تتقلب في الأنجال، أبنائي يتصلون به ويتحدثون معه حديث الابن لأبيه يستشيرونه ويأخذون برأيه وكذلك أبناؤه يفعلون.

من أهم سماته الانضباط والالتزام، فهو مثال صارم لهما، منضبط في عمله وإنجازه، ملتزم في مواعيده لا يتأخر عن موعد يضربه بل دائماً ما يأتي قبل موعده خشية عدم الالتزام بالموعد.

وهاتان الصفتان كانتا الدافع له في إتمام دراسته العليا والحصول على درجة الدكتوراه في عام 1998 والعودة للوطن لبداية طريق مشواره العلمي ومشروعه التربوي.

إنه صاحب مشروع بل مشاريع تربوية وعلمية، يعرف ما يريد وكيف ينجز ما يريد من دراسة أو بحث أو معلومة. يسخر كلّ طاقاته في إنجاز الأمر في همة العلماء وإرادة الأولياء، له بأس شديد في البحث العلمي وجَلَدٌ استطاع به أن ينجز دراساته التي تمنحه درجة الأستاذية، وأحسب أنه سينالها قريبا إن شاء الله.

ومن أهم تلك المشاريع هو مشروعه الأم في نقل تجربة مدارس ريجيوايمليا الإيطالية إلى الكويت، تلك المدرسة الإيطالية المتميزة في مشاريعها التربوية، التي تستثمر الطفل في سنواته الثلاث الأولى، وتجعله طفلاً منتجاً وفاعلاً ومتفاعلاً ومبدعاً في آن. إنها سلسلة مدارس غير تقليدية، تتعامل مع الطفل باعتباره عالماً يستحق الدراسة والرعاية والعناية لأنه نواة مجتمع، وباكورة وجود إنساني سليم، لذا أوجدت لها مشاريع سنوية لا تتوقف تخدم الطفل، وعالم الطفولة هو الذي ينتج معطياته، دون تدخل من عالمنا.

فالطفل عالم نجهله على الرغم من ادعائنا معرفته، والطفل طاقة وفكر معقد يصعب علينا ونحن غادرنا هذه المرحلة أن نستوعبه، فالطفل ابن الطبيعة وابن الزمان الذي لم يعد زماننا، بل إن زمانه ومدركاته تختلف عن مدركاتنا، وإن حاولنا بأنانيتنا أن نقولبه بقوالبنا.

وأحسب أن الدكتور علي عاشور من أولئك النفر القليل الذين أخذوا على عاتقهم- بعد دراستهم الأكاديمية- أن يحولوا النظريات التربوية والأفكار العلمية إلى واقع مشهود ملموس، إذ إننا لا نتعامل مع فضاء معلق وإن كان مغلقا، ولا نتعامل مع كيان مفرغ بل هو كيان ممتلئ بالأحلام والأوهام والأفكار والرؤى التي يصعب علينا تقصيها، ويعسر علينا تدانيها، إلا من آمن بهذه الطاقة، ووجد من خلالها طاقة نور لمعرفة الوجود والكون وأسرار الحياة وفطرة الوجود التي فطر الله الناس عليها.

ريجيوايمليا، تلك المنطقة التي تقع في شمال إيطاليا والتي أثارت تجربة مدارسها فضول الدكتور علي عاشور منذ أن كان يعد لرسالة الدكتوراه في جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأميركية، إذ لها مناهج مختلفة ومتنوعة، تخرج على النمطية والتراتبية المعهودة وتقترب من عالم الطفل الذي يتأبى على الانضباط والنمط والتراتب، لأنه عالم نزق يؤثر القفز والحركة على السكون، والحرية على التبعية، فاتخذت هذه المدارس من الطفل مركزاً حتى بات هو من يضع منهجه الدراسي، ويؤلف كتبه، وهو من يصنع وجوده بوجوده، وصار المعلم مراقبا متلقيا يحاول أن ينتج من هذه التصرفات والكلمات والمعطيات أفكاره التي يتعامل من خلالها مع الطفل، ذلك الطفل الذي لم يعد أداة بل بات منتجاً، لم يعد طفلاً أصلاً بل بات مبدعاً، إذ إن عالم الإبداع وعالم الطفولة متقاربان متقاطعان فيما بينهما.

الطفل الطبيعي هو طفل مبدع في طبيعته، طفل منتج في تكوينه، ولكن البيئة الحاضنة والراعية له لها أهميتها حتى يخرج هذا الإنتاج وذلك الإبداع من الكمون إلى الظهور، من الخوف إلى الجرأة، من التردد إلى الإصرار.

من هنا، تأتي أهمية مشروع الدكتور علي عاشور والذي حمل كتابه "أدب الأطفال والسياسة" الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية لعام 2016 بعضا من هذا المشروع الذي يسعى إلى إنجازه قريبا إن شاء الله.

أخي علي عاشور

صديقي علي عاشور

اليوم وبعد ثلاثين عاماً ونيف على علاقتنا التي بدأت في جامعة الكويت، تتسلم شهادة اعتراف وتقدير وتشجيع من الدولة لإنتاجك العلمي الرصين، ولبحثك المميز في أدب الأطفال والسياسة... وأقف أشاركك فرحتك بل فرحتنا بك وبمشروعك التربوي الأصيل.

فهنيئاً لك، وهنيئاً بك، وهنيئا لنا يا علي

مردداً قولك في نهاية كل مكالمة هاتفية كانت بيننا: "سلام يا صاحبي".