ثمة أسئلة فكرية عمرها من عمر البشرية: ما هذا الوجود؟ ولم أنا موجود؟ وما تكون هذه الكتلة اللحمية الناطقة العاقلة؟ ولم يسمونها إنسانا؟ بهكذا أسئلة اهتدى البعض وضل البعض الآخر، وإن أمور الغيب لا مساحة لنا في التفكير فيها أبداً، فلقد حسمها الدين الحنيف وأشبع الفكر وسدد الرأي.

ولكن سؤال: ما برهان الروح؟ يردده من ضل سواء السبيل، فلقد قال رب العزة «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً»، ولكن حينما لا يسأل الضال عن كنه الروح بل عن دليل وجودها، ليُفتَن بذلك ضعاف الإيمان ويرتبك أمامه ضعاف الحجة، وينجرف لهذه الفتن الشباب بمشاركاتهم في التواصل الاجتماعي، أشعر بأهمية الإتيان ببرهان وجود الروح، وهو بالحكمة لا العلم الذي أوتينا منه قليلا.

Ad

وبحكم قربي من هذه الشريحة المجتمعية، ولقصر أجلي أمام الرد على هذه التشكيكات في عالمنا الإسلامي المتجددة جيلا بعد جيل فإنني أجد من المهم جدا نشر هذه المقالة.

نقول للفيزياء إننا كبشر لسنا مجرد ذرات، وللبيولوجيا لسنا كومة كروموزونات، وللسيكولوجيا لسنا حاسوب مشاعر فحسب، بل نحن نشكل شخصيتنا ونُهدى معنى مصيرنا، إما أن نجزى نعيما أو نحق على أنفسنا العذاب، وهذا مراد خلق أرواحنا، ولكن ما دليل وجودها؟ بل الأحرى أن نقول ما البرهان؟ فالفرق بين هاتين الكلمتين لغة كالفرق بين كلمتيّ «خبر ونبأ» الأول يحتمل الخطأ والآخر مُثبت الصواب.

نبه المؤلف البريطاني أيدوارد دي-بانو في كتابه «قبعات التفكير الست» إلى أنه لحسم أي مشكلة يختلف فيها مفكرون متعددون ينبغي على الكل ألا تكون غايته هدم رأي الآخر، بل غزل وجهات النظر كلها ببعض، لإتمام كمال النظر، ويؤيد ذلك القرآن الكريم الذي سبق الكل في ذكر هذه القاعدة في سورة «آل عمران» لتعريف المسلمين كيفية المناظرة مع الطرف الآخر «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»، لنرى تمام النظر في برهان الروح.

شرطُ حياة الأرواح هو مركبة الجسد وهذا ما يردده الماديون، وكذلك لا جسد يسأل أسئلة فوق مادية إلا أثبت وجود الروح الغيبية التي فيه، فرغم أن هذا الإنسان لا يستطيع أن ينتهي من تفسير نفسه، حسم الحسن البصري القضية، حين قال «يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك»، أي أنت قصة مسرحها الزمان، وكمثل أي حبكة يكون السيناريو فيها فوق عالمها.

فحينما يسأل أحدهم: لماذا توجد الروح؟ يكون الرد كيف لدماغك إيجاد كلمة «لماذا»؟ فالبهائم تتبرج جيناتها لبيولوجيا الكيفية والتوقيت والتموقع لكي تحيا حياتها، فهي تحتاج «كيف؟ ومتى؟ وأين؟»، ولكن طالما أنك أيها المشكك تحرك عقلك بسؤال «لماذا» فلقد فعلت برهان الروح! ألا وهو وجود غيب فوق المادة.

ببساطةٍ جمة شاء الله للإنسان أن يعي مصيرية الجنة والنار، فالإنسان حَمَلَ الأمانة وهو ليس تُراباً أو طينا، بل هو صاحب المسؤولية التي لها ساعة حساب، فإذا ذهبت الأيام ذهب بعضنا، فلا تدعها تذهب على عبثية ألفاظ فلسفية بل لنسدد عقولنا لإسعاد خلق ربنا، بزراعة ورد أو بناء بيت واختراع مصل أو إنهاء حرب، فالروح مرادها الصلاح والفلاح لوجه الله، وبهذا ترتاح الأرواح.