عقد بوتين قبل أيام مؤتمره الصحافي السنوي، منهياً ما وصفه كثيرون بسنة ناجحة جداً بالنسبة إلى الرئيس الروسي، وإن كنت تستهلك بانتظام وسائل الإعلام الحالية، فمن الطبيعي أن تعتقد أن روسيا تفوقت على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن القراصنة الروس نجحوا وحدهم في إيصال ترامب إلى البيت الأبيض، وأن ترامب مستعد ليكون مرشد الكرملين داخل الحكومة الأميركية، وقد تخال أيضاً أن الجنود الروس يوشكون أن ينفذوا إنزالاً قرب العاصمة واشنطن.

صحيح أن بوتين حظي بسنة جيدة على صعيد العلاقات العامة، إلا أن نسخة أوباما أقرب إلى الواقع: لا تُعتبر انتصارات روسيا المزعومة عظيمة بقدر ما تبدو، بل ستساهم في تعزيز الضعف البنيوي الروسي على الأمد الطويل.

Ad

لنتأمل مثلاً مسألة قرصنة روسيا وتدخلها في الانتخابات الأميركية، فلا شك أن نشر الوثائق التي سُرقت من اللجنة الوطنية الديمقراطية (عملية سرقة يقر المجتمع الاستخباراتي عموماً بأن منفذيها قراصنة تمولهم الدولة الروسية) أضرت بالنظرة العامة إلى هيلاري كلينتون في المرحلة التي سبقت الانتخابات.

سواء خططت روسيا فعلاً لانتخاب ترامب أو رغبت في نشر الفوضى بكل بساطة، نجحت بالتأكيد في تعكير صفو الانتخابات، إلا أن مدى تأثير هذا التدخل في تغيير نتائج الانتخابات يظل موضع شك، بالإضافة إلى ذلك كسبت روسيا نتيجة هذا التدخل عداوة الكثير من صنّاع السياسات الأميركية الحاليين والمستقبليين، فضلاً عن مواجهتها احتمال التعرض لردّ أميركي «في الوقت الذي تختاره الولايات المتحدة وفي ظروف يكون له فيها التأثير الأكبر، حسبما أشار نائب الرئيس جو بايدن. علاوة على ذلك لا يشكّل فوز ترامب بالضرورة انتصاراً للقادة الروس، صحيح أنه تبنى لهجة أكثر وداً تجاه هذا البلد، ولكن على غرار مسائل كثيرة أخرى في السياسة الخارجية، يبقى احتمال إقدام الرئيس الجديدة على خطوات غير متوقعة عالياً جداً.

تعتبر ملاحظات أوباما بشأن روسيا محقة من حيث الأساس: يعاني هذا البلد ضعفاً بنيوياً جوهرياً خطيراً، صحيح أن انتصارات بوتين في مجال العلاقات العامة قد تلهي الناس عن هذه المشاكل، إلا أنها لا تحلها، ولعل الأبرز بينها الاقتصاد الروسي الذي لا يتوقع الخبراء، رغم مكاسبه الأخيرة، أن يعود إلى النمو الإيجابي السنة المقبلة بعد سنوات من الركود، كذلك ما زال التضخم عالياً.

حتى رفع العقوبات لن يساهم مساهمةً كبيرةً في تحسين هذا الوضع، ففي عهد بوتين ظلت نقاط الضعف البنيوية في الاقتصاد الروسي (الاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز والفساد والمحسوبية المتفشية) من دون أي حلّ عموماً. فما زال الاقتصاد الروسي سريع التأثر بانخفاض أسعار النفط، رغم صفقة أوبك الأخيرة التي شكّلت فيها روسيا وسيطاً بارزاً، كذلك لا تزال الميول الديموغرافية الطويلة الأجل تمثل مشكلة ملحة، وستبقى كذلك على الأمد الطويل.

لا يعني كل ما تقدّم أن روسيا لا تشكّل مصدر قلق بالنسبة إلى صنّاع السياسات. نظراً إلى استعداد بوتين لاستغلال فرص السياسة الخارجية بأساليب عسكرية، يصعب علينا توقع خطواته، وهذا بالتأكيد احتمال مقلق، بما أن الولايات المتحدة مرغمة، بصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسي، على الدفاع عن الدول التي تحد روسيا.

رغم ذلك، يجب أن يتحلى صنّاع السياسات بالواقعية، سواء في نظرتهم إلى قدرات روسيا أو في تقييمهم معنى «انتصاراتها» عام 2016 على الأمد الطويل. قد يقدّم بوتين صورة وردية للاستهلاك العام، ولكن كي ينجح في ذلك، عليه أن يخفي عدداً من المشاكل الطويلة الأمد، صحيح أن روسيا أنهت عام 2016 بتفاؤل، إلا أنها تتوجه في عام 2017 نحو الإخفاق الاقصادي، فضلاً عن أنها لا تملك مساراً واضحاً في سورية أو آمالاً كبيرة بارتفاع أسعار النفط إلى معدلات عالية، ولا شك أن هذه المشاكل لن تختفي، مهما ادعى بوتين العكس.

* إيما م آشفورد

* «ناشونال إنترست»