لا يُعتبر انتقاد أوباما المبطن إلى حد ما تبدلاً كبيراً مقارنة بخطابه خلال العملية الانتقالية، حين أصدر تحذيرات مبطنة عن الرئيس المنتخب، وتفادى أوباما انتقاد ترامب الصريح برفضه بكل بساطة ذكره بالاسم، لكن قليلين، بمن فيهم ترامب، شككوا في الهدف الذي يرمي إليه أوباما.

لا أحد يثير استياء ترامب أكثر من أوباما، ولا أحد (باستثناء ميشيل أوباما في خطابها المذهل عن ترامب واعتداءاته الجنسية) انتقده بفاعلية أكبر خلال حملته، ولا يزال الزوجان أوباما أفضل معبرَين عن الديمقراطية، لذلك من المقلق، وإن لم يكن مفاجئاً، أن يخططا للانسحاب من المناظرات السياسية الوطنية بعد تسلّم ترامب منصبه.

Ad

مع ترامب في البيت الأبيض السنة المقبلة وسيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس، يُعتبر وضوح أوباما الأخلاقي ودفاعه المتنامي عن القيم التقدمية أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى، وبالتزامه الصمت فيما يعمل الجمهوريون على تفكيك أبرز إنجازاته، يحرم أوباما الديمقراطيين من أقوى صوت في وقت يُعتبر فيه الحزب المعارض بأمس الحاجة إليه.

لا يعني ذلك أن على أوباما أن يرد على تغريدات ترامب، إذ أخبر أوباما أكسيلرود أن من الضروري أن يتفادى «الجدالات اليومية»، وهو محق بالتأكيد، لكن الرئيس وحده يستطيع أن يصبح رئيساً سابقاً ويعبر عن آرائه علانية وبصراحة، وثمة أسباب عدة يجب أن تدفعه إلى اتخاذ خطوة مماثلة، معتمداً على الأرجح على تصريحات مبطنة كما فعل يوم الثلاثاء أو على انتقادات منمقة يوجهها بحكمة وتمييز. لكنه يقترف خطأ كبيراً إن امتنع عن التعبير عن آرائه بصراحة حين يحتاج إليه حزبه، خصوصاً عندما يكون إرثاً مهدداً، مع أن هذا ليس السبب الوحيد.

أصاب أوباما حين أكّد لأكسيلرود أن أدلة كثيرة تشير إلى أن معظم الناخبين الأميركيين يشاطرونه رؤيته عن البلد، فقد انتخبوه مرتين، ومنحوا التصويت الشعبي لهيلاري كلينتون.

سيغادر أوباما البيت الأبيض في الخامسة والخمسين من عمره، وهو ينعم بصحة أفضل من معظم الرجال في سنه ويتمتع بشعبية كبيرة جداً بين الأميركيين، فقد أفاد معهد غالوب أن أداء أوباما حصل على تأييد 56% من الأميركيين، كذلك أشار هذا المعهد، الذي يُعنى باستطلاعات الرأي، أنه تفوق على ترامب بسبع نقاط ليصبح الرجل الذي يحظى بالإعجاب الأكبر في الولايات المتحدة.

لا يستطيع أوباما «الانتظار سنة أو سنة ونصف السنة من اليوم أو حتى سنتين». ففي هذه الفترة يكون ترامب قد قوّض مكانة الولايات المتحدة في العالم (وربما شن حرباً نووية)، كذلك تكون الصحافة الحرة قد أصبحت أقل حرية، والمنشقون أكثر خوفاً من الانشقاق، فضلاً عن ذلك سيكون برنامج الرعاية الصحية الذي صممه أوباما قد فُكك جزئياً على الأقل، وستنشغل المحكمة العليا الأكثر ميلاً إلى المحافظين بإعادة الساعة إلى الوراء.

قال أوباما لأكسيلرود: «أؤمن بالحكمة التي أعرب عنها واشنطن حين ذكر أن عليك في مرحلة ما أن تفسح في المجال أمام أصوات جديدة وخطوات واعدة»، ولكن يلزم أن نتذكر أيضاً أن الرئيس الأول لم يتقاعد نهائياً بعد ولايته الثانية، فمع تردي العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة عام 1798، قبِل واشنطن تعيين الرئيس جون آدمز جنرالاً وقائدا للجيش الأميركي، وقد شغل هذا المنصب حتى وفاته بعد سنة ونصف السنة.

يلوح اليوم نوع مختلف من المعارك في الأفق، ومن المهم أن يفسح اليسار في المجال أمام أصوات جديدة وخطوات واعدة، إلا أن صفوف المعارضة تفتقر إلى قائد فذ ماهر في هذه اللحظة الحرجة، ولا نرى سوى خيار بدهي واحد.

* غراهام فايز

* «نيو ريبابليك»