حللتِ أهلاً ونزلتِ سهلاً، زيارتك لنا كانت سريعة خاطفة، خلَت من المجاملات الرسمية، والعرضات الحربية، والقصائد الحماسية التي تحكي تاريخ معاركنا وبطولاتنا وطبائعنا. ربما لم يريدوا إثقال كاهل وقتك الثمين بتكرار ما هو معروف لديكم سلفاً، كونه لا يخفى شيء عن أرشيف وزارة خارجية بلادكم الصديقة الدائمة والمستعمرة القديمة عنا وعن تاريخنا ومدى مصداقيتنا.

هبطتِ علينا منفردةً، ثم اجتمعتِ معنا وحيدةً بلا محرم، لنواجه الأخطار يداً بيد، فبالتأكيد أنكِ تعلمين أنه منذ أن خرجتم من المنطقة والأحوال لم تعد كما كانت، أخذنا الحرية والاستقلال نعم، إلا أنكم لم تعلمونا شيئاً عن الإدارة وعلومها، كما أننا كنا قبائل فصرنا أحزاباً والآن شيعاً، واليوم جاء الوقت لنُصلح أخطاءنا المشتركة معاً، فقد خرجتم عجلين بلا ترتيبات ولا ضمانات، وتركتمونا نواجه أقدارنا منفردين في وجه الأطماع القريبة والبعيدة، فلم نجد بداً من وضع يدنا بيد راعي المواشي النزق المتهور لنستطيع إكمال طريقنا الوعر، وقد مررنا معه بجميع التجارب والأزمات، ولبينا له جميع المطالب، فلم نترك منعطفاً خطراً إلا وانعطفنا فيه معاً، ولم يبق عنق زجاجةٍ إلا وانحشرنا به متعانقين. لكنه، وللأسف، لم يكن على قدر الثقة والعطاء، فقد باع مودتنا وانقلب علينا، واشترى صداقة أعدائنا عوضاً عنا، وأنتم لستم هم، فأنتم أصحاب الرؤية العميقة والنفس الطويل وبعد النظر، وذوو الخبرة بنا وبمشاكلنا وتاريخنا وعلاقتنا بعضنا ببعض، لذا فقد جاء الوقت لتعيدوا عجلة الزمن إلى الوراء قليلاً، ونعيد نحن لكم تقديم ما تريدون منا تقديمه، فقط ارجعوا بهدوئكم وبرودكم المعتادين لمياهنا الدافئة، ولكم منا رفيع التفاهم وحسن التعاون، كما عودناكم يا حميدة الشيم كريمة النعم.

Ad