من المؤكد أن مسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي قد قطعت شوطاً طيباً نحو تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية، فعدد المواطنين الخليجيين الذين يمارسون مهناً وأنشطة اقتصادية في غير دولهم يتجاوز خمسين ألفاً، وعدد الطلبة الخليجيين الذين يدرسون في دولة خليجية غير دولتهم يناهز ستين ألفاً في التعليم الحكومي العام بكل مراحله، ومجموع المواطنين الذين يمتلكون عقارات في غير بلدانهم الخليجية يفوق المئة الف.

ويساهم قرابة 700 مواطن خليجي في شركات خليجية لا تحمل جنسيات بلادهم. وارتفع حجم التجارة البيئية الخليجية من 6.5 مليارات دولار عام 1985 إلى أكثر من سبعين ملياراً عام 2015، وإذا كان من الخطأ أن نقلل من شأن ما تمثله هذه الإنجازات، فمن الخطأ أيضا أن نجادل في تواضع هذه الإنجازات قياساً إلى ما نحتاج إليه وما نحن قادرون عليه.

ولعل هذه الحقيقة بالذات جعلت طموحات أصحاب الجلالة والسمو قادة مجلس التعاون الخليجي يتطلعون إلى الوحدة الاقتصادية الخليجية، ولعل هذه الحقيقة كذلك هي التي دعت أصحاب الجلالة والسمو إلى أن يقروا في قمتهم التشاورية المنعقدة آخر مايو 2016 انشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، التي حددت اختصاصاتها الرئيسية في رسم السياسات التنموية والاقتصادية للمنطقة، ومناقشة ما يحال اليها من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، وتذليل أية عقبة تواجه المجلس، فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي.

Ad

وقد عقدت الهيئة اجتماعها الأول يوم 10 نوفمبر 2016 في الرياض، وحددت لعملها خلال الفترة القادمة خمس أولويات اساسية هي:

1 - اتخاذ القرارات التنفيذية للارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك.

2 - وضع جميع القرارات التي لم تنفذ موضع التنفيذ الكامل والسريع.

3- مراجعة شاملة للسياسات والبرامج لتطويرها وضمان فاعليتها.

4 - تهيئة جميع العوامل القانونية والهيكلية والمالية والبشرية لتطوير العمل الاقتصادي الخليجي.

5 - الاهتمام بكل المواضيع ذات الصلة بالشأن الشبابي ودعم رواد الأعمال الشباب.

من جهة أخرى، صرح الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بالأمانة العامة لمجلس التعاون بأن ملفات السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي والعملة الموحدة قد أحيلت إلى الهيئة الجديدة.

إن القطاع الخليجي الذي أعرب - من خلال الغرف التجارية الصناعية واتحاداتها- عن ترحيبه وتفاؤله بالهيئة العتيدة باعتبارها آلية عالية المستوى والكفاءة لتسريع خطى الوحدة الاقتصادية الخليجية، يشعر بقلق بالغ من أن تنشغل الهيئة ببيروقراطية الملفات وحساسيات العودة إلى أطروحات نظرية سدت بتفاصيلها منافذ التواصل وعطلت خطى التنفيذ، لاسيما أن صياغة الاختصاصات والأولويات جاءت بالغة العمومية غائبة الجدول الزمني.

إننا ندرك تماماً أن الوحدة الاقتصادية ليست الأمنية العاطفية السهلة التحقق وندرك تماماً - أيضا- أن مصالح الدول الست ليست متطابقة تماما وأن اجتهاداتها لابد أن تتفق حيناً وتفترق حيناً، ولكننا ندرك بنفس القوة ونفس الوقت أن تجربتنا قد تجاوزت سنتها الخامسة والثلاثين، وأن تسارع التطورات وتصاعد التحديات يجعلان القرار المؤجل التنفيذ قراراً بالغ التكلفة الاجتماعية والمالية، وفاقداً لنسبة عالية من جدواه، وفي يقيننا أننا قد تجاوزنا بأشواط مرحلة الصياغة العامة والسقف الزمني المفتوح، وشرط الإجماع أو لا شيء.

ومن جهة أخرى، فإن علو مستوى أعضاء «هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية وروح الشباب التي تنتظمهم جميعاً وقرب كل منهم وقرابته من القيادة السياسية العليا في دولته، تطرح بحد ذاتها المهمة الحقيقية والجوهرية للهيئة، فهي - بنظرنا- ليست جهة فنية للبحث والدراية، وليست جهة تقييم لسياسات وتحكيم بين الاجتهادات، لكنها بكل اختصار ووضوح هيئة دعم قرار الوحدة الاقتصادية الخليجية بالقرار السياسي الشامل الذي يقيّم الجدوى بالمصلحة المستقبلية، وبمواجهة التحديات ودفع التهديدات. أما الارتقاء بالقرار ومراجعته، والتهيئة لتنفيذه، ورسم السياسات ومراعاة الشأن الشبابي... فهذه كلها لها أجهزتها الفنية والإدارية في إطار الأمانة العامة والمجالس الوزارية لدول المجلس.

بقي أن نقول هنا إن نجاح الوحدة الاقتصادية، أي وحدة اقتصادية، مرهون بالإرادة السياسية الحازمة، ومرهون بالتضحيات المرحلية المشتركة ريثما نبدأ بقطف الثمار، ومرهون بالمساواة بين جميع الأعضاء، وعلى أسس التوازن الحكيم بين الجدوى الاقتصادية والامن الاجتماعي.

أسرة التحرير

* تصدر عن غرفة تجارة وصناعة الكويت