عقب إعلان توصيات ندوة التشريعات السينمائية، التي أقيمت ضمن فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وقيل إنها ستأخذ طريقها إلى البرلمان المصري لإقرارها، تراءى لي أن أفتش في أوراقي القديمة عما اصطلح على تسميته «مطالب السينمائيين»، التي طالما ألقوا بها في «حجر الدولة»، وفي كل مرة تزفها الصحف إلى الملايين، وكأنها «بشرى سارة» أو «صفقة تاريخية»، وإذا بي أكتشف أنها «لعبة قديمة»، بل «لعبة سخيفة» مُتفق عليها بين الأطراف كافة لتهدئة الرأي السينمائي العام، وتخدير القيمين على صناعة السينما بوعود زائفة كالنهايات السعيدة التي اعتدناها في أفلام الأربعينيات والخمسينيات!

على سبيل المثال، وليس الحصر، شهد شهر فبراير من العام الماضي الاجتماع الذي عقدته د. فايزة أبو النجا، مستشارة رئيس الجمهورية للأمن القومي، و د. جابر عصفور، وزير الثقافة، مع عدد من السينمائيين، من بينهم: السيناريست والمنتج فاروق صبري، رئيس غرفة صناعة السينما، الكاتب الكبير وحيد حامد، الفنانة يسرا، الفنانة إلهام شاهين، المخرجان: داود عبد السيد وخالد يوسف، والمنتجون: غابي خوري، محمد العدل، وإسعاد يونس. ورغم المناقشة، التي استمرت لأكثر من أربع ساعات، بحث المجتمعون خلالها كيفية النهوض بصناعة السينما، من خلال مشروع قومي قيل إن الدولة تبنته، لإثبات جديتها، منحت السينمائيين من خلاله قطعة أرض لإنشاء مجمع استوديوهات بمشاركة القطاع الخاص، فيما طرح السينمائيون تصوراً في ثلاث نقاط هي: محاربة القرصنة التي تهدر الأموال، وتضيع على الاقتصاد القومي الاستفادة بها، ضرورة إعادة أصول السينما لتبعية وزارة الثقافة، عودة الدولة إلى الإنتاج السينمائي، دعم الدولة الأفلام التي تحمل بعداً قومياً ويعجز القطاع الخاص عن إنتاجها، خصوصاً الأفلام التي تحارب التطرف والإرهاب، وزيادة الدعم والسماح بالتصوير في المناطق الأثرية مع تطوير نظام الرقابة على المصنفات. لكن شيئاً لم يحدث، وانقضى العام من دون حراك يُذكر!

Ad

غير أن الدولة عادت، وكأنها تُحيي الذكرى السنوية الأولى للاجتماع السابق، لتُعلن عن اجتماع جديد بين السينمائيين ورئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، انتهى بمجموعة قرارات قيل إنها ستساهم في تطوير صناعة السينما، أهمها القضاء على القرصنة، عبر التعاون بين وزارة الاتصالات و{النايل سات» و{العرب سات»، لأجل وقف القنوات والمواقع الإلكترونية التي تهدّد صناعة السينما، وزيادة الدعم المادي الذي يحصل عليه السينمائيون من خلال المركز القومي للسينما ليصبح 50 مليون جنيه مصري بدلاً من 20 مليون جنيه مصري، مع السماح بتصوير الأفلام في المناطق الأثرية بمقابل مادي بسيط، والعمل على عودة أصول السينما والحفاظ على الأرشيف الخاص بالسينما!

لا أتجنى على أحد عندما أسجل هنا أن شيئاً لم يتحقق من الاجتماع الذي عُقد في يوليو الماضي، وغيره من اجتماعات سابقة عليه، بدليل أن ندوة «التشريعات السينمائية»، التي عُقدت في نهاية نوفمبر الماضي، انتهت بتوصيات كنا نحسبها تحولت إلى قرارات؛ مثل: 1 تخفيف العبء عن كاهل السينمائيين من ضرائب ورسوم، والمساعدة على توفير ما تحتاج إليه بنية السينما الأساسية من معدات ودور عرض سواء بالقوانين المشجعة أو بتخفيف قيود الاستيراد أو بحمايتها من أخطار القرصنة. 2 تقدم البنوك المصرية بمساعدة صغار المنتجين قروضاً ميسرة تُساهم في إنعاش السوق. 3 تساعد الدولة القطاع الخاص في فتح أسواق جديدة للفيلم المصري إقليمياً وعالمياً عبر إجراء دراسات جادة لمتطلبات أسواق الفيلم عالمياً وتنشيط دور المكاتب الثقافية المصرية في الخارج للمساهمة في فتح أسواق للفيلم المصري. 4 تشجيع نوادي السينما والجمعيات الثقافية وتوفير الإمكانات والتسهيلات اللازمة لأعمالها وإعفاء عروضها الخاصة من شروط الرقابة بأنواعها كافة. 5 الاهتمام بزيادة دور العرض ودراسة توزيعها على مختلف المحافظات المصرية مع وضع المدن والضواحي والمجتمعات العمرانية الجديدة في عين الاعتبار بمنح الإعفاءات الضريبية وتقديم الأراضي الصالحة بأسعار مناسبة أو بلا مقابل في الأماكن النائية. 6 تقديم التشريعات القانونية التي تحمي الفيلم المصري من جرائم القرصنة الإلكترونية ونسخ الأفلام وتوزيعها عبر شبكات الإنترنت بطرائق غير مشروعة، وذلك بتغليظ العقوبات لمنع انتشار هذه الجرائم. 7 عودة الدولة لدعم الأفلام والأعمال المميزة فنياً، ودعم السينما التجارية جيدة المستوى وإبعادها عن الابتذال والإسفاف ليس عن طريق الرقابة وإنما من خلال لجان دعم الأفلام التي ينبغي عليها أن تستبعد الأفلام الرديئة من الدعم. 8 أن تقوم الدولة بدورها في إنتاج الأفلام التي تساهم في النهوض بمستوى السينما، وفي عرض أفكار جديرة بالطرح وتنبئ بأساليب فنية متقدمة.

يبدو أننا نلهث وراء «وهم تاريخي» وإلا فكيف تأخذ هذه التوصيات كلها طريقها إلى البرلمان؟ وأين ذهبت قرارات فايزة وشريف؟