في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وفي ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يمر بها ملايين المواطنين نتيجة لارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة، وفي ظل اتجاه الحكومة للتقشف، بعد تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، وفي ظل كل التحولات الاقتصادية التي نمر بها حكومة وشعباً خلال هذه الفترة، أعيد طرح فكرة طرحتها من قبل، عن ضرورة وجود خريطة للاحتياجات المصرية.

الخرائط الاستراتيجية التي تضعها الدول أو المؤسسات التي تسلط الضوء في اتجاه معين ليست جديدة، بل هي موجودة مع وجود الاحتياج إليها، فهناك على سبيل المثال الخريطة الجغرافية التي توضح التضاريس والمساحة وتقسيم البلدان، وهناك خريطة استثمارات توضح فرص الاستثمار الموجودة في الدول، وهناك خريطة معادن توضح أماكن انتشار المعادن بمختلف أنواعها، وأعتقد أن ما تحتاجه مصر الآن هو خريطة من نوع جديد، يمكن أن يطلق عليها اسم "خريطة الاحتياجات المصرية".

Ad

فعلى سبيل المثال، مع بداية الشتاء، تبدأ العديد من المؤسسات الخيرية والإعلامية، والجمعيات، وصناديق الزكاة والتبرع، بجمع المساعدات لجميع المحتاجين إلى مساعدات من بطاطين ولمواجهة السيول وما شابه، كما تنشط بنوك الطعام والدواء والكساء، وفي المقابل، ومع الظروف الاقتصادية الحالية، تنشط باقي الصناديق التي تجمع التبرعات لمساعدة الفقراء، والحقيقة أنه يوجد في مصر العديد من الصناديق التي تجمع الأموال للمساهمة في إعادة بناء مصر، والعديد من المبادرات التي تقودها مؤسسات أو أشخاص تعمل في الاتجاه نفسه، كما توجد العديد من المؤسسات الخيرية التي تقوم على هذه الفكرة، ولكن لا يوجد من يحدد لهذه المؤسسات الأهلية أو الشخصيات الأماكن التي تحتاج إلى مساعدة فعلية، وبالتالي من الممكن أن نجد أنها جميعاً تعمل في اتجاه واحد، وتوجه مساعداتها لحل مشكلة واحدة، وتترك العديد من المشكلات الملحة بدون حل أو تقديم يد المساعدة.

هناك العديد من الأفكار للتعامل مع كل هذه الصناديق، منها أن يتم جمع الأموال التي تقدمها هذه المؤسسات، أو تجمعها هذه المبادرات، في مصدر واحد وإدارتها من الدولة أو من مؤسسة يتم الاتفاق عليها، ويتم توجيه الأموال إلى مصادر الاحتياج المختلفة، لكن هذه الفكرة تلقى العديد من الاعتراضات، خصوصاً أن المساهمين بأموالهم أو مجهودهم يحتاجون أن يساهموا بشكل فعال في تقديم هذه الأموال إلى الجهات الأكثر حاجة من وجهة نظرهم، كما يفضلون أن يشرفوا بأنفسهم على هذه المساعدات وهي تتوجه إلى مصادرها الحقيقية، وأن يروا ثمار ما زرعته أيديهم وهي حاجة إنسانية يمكن تفهمها، وحتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه صندوق الزكاة.

ويمكن أن يكون الحل لضبط حركة هذه الأموال، وحتى تساهم كل هذه المبادرات في حل جزء من المشاكل العالقة، والمساهمة في التنمية بالفعل، هو أن تعلن الدولة "خريطة الاحتياجات المصرية"، وتترك لرجال الأعمال والمؤسسات الخيرية والمبادرات حرية التحرك والمساهمة في التنمية.

ولهذه الخريطة المقترحة أهمية كبيرة، هو أنها ستحدد احتياجات كل قرية أو مدينة في مصر، فربما تحتاج إحدى القرى إلى مدرسة أكثر من احتياجها إلى مستشفى في هذا الوقت، وربما تحتاج مدينة أخرى إلى مشروع للصرف الصحي أكثر من احتياجها إلى مدرسة، وربما تحتاج قرية ثالثة إلى تجديد شبكة الكهرباء، وأهمية الخريطة ليس فقط في تحديد احتياجات كل قرية ومدينة، بل في أنها ستسلط الضوء على احتياجات بعض الأماكن التي ربما لم يلتفت إليها أبداً صناع المبادرات ورجال الأعمال لبعدها أو عدم الالتفات إلى احتياجاتها الحقيقية.

ربما يكون نشر هذه الخريطة، هو بداية لتوجيه "أموال الخير"، إلى الأماكن التي غابت عنها عين التنمية أو التي تحتاج إلى علاج عاجل لمشاكلها، وهنا يمكن للجميع أن يتوجه إلى الأقرب إليه والأنسب لما يريد أن يساهم فيه، وبهذا يمكن فعلاً أن يساهم الجميع في العبور من الأزمة الاقتصادية التي يعانونها.