غير سليم

Ad

بداية، يقول الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. محمد الفيلي، إن القانون الكويتي يقرر حرمان الناخب من حق الانتخاب إذا ارتكب جريمة مخلة بالشرف والأمانة، إو إذا صدر بحقه حكم بجريمة جناية عقوبتها تزيد على ثلاث سنوات، كما أن تقرير حرمان الناخب لأي سبب إضافي يحتاج إلى تشريع، لأن حق الانتخاب الأصل فيه أنه هو حق مقرر لكل المواطنين، ولأن الدستور يقرر ذلك بصراحة وحرمان أي مواطن من الانتخاب بلا سند مباشر من التشريع لا يكون سليما.

ويضيف الفيلي قائلا إن «شرط حسن السمعة ليس مرتبطا بارتكاب جريمة من الجرائم، كما أنه من غير المتصور أن يكون هناك رد اعتبار قانوني أو قضائي، لأن هذا الشرط لا يتطلب جريمة، وعندها سنكون أمام شخص محروم من الانتخاب وعلى نحو مؤبد».

وعن انطباق الشرط على المرشحين يقول الفيلي إن شرط حسن السمعة لم يصدر كتشريع، كما أنه ليس له أساس بالدستور، كما أنه مخالف للدستور، وذلك لأن الدستور ربط بين الشروط الواجب توافرها بالناخب مع الشروط الواجب توافرها بالمرشح، كما أننا أمام شرط لم يرد بالقانون، وهذا أمر يخالف الدستور، لأنه حرمان صادر على غير سند من التشريع، كما أن هذا الحرمان مؤبد ورد الاعتبار غير متصور فيه.

لجنة استشارية

وعن قانونية لجنة فحص طلبات الترشيح، يقول الفيلي إن هذه اللجنة استشارية قامت الإدارة بإنشائها، والإدارة لها أن تستمتع لرأي من تثق برأيه، ومن ثم تصدر قرارها، والقرار هنا ينعقد الاختصاص فيه للإدارة التي لها الاطلاع على توافر الشروط وفق القانون والدستور، ولها أن تتخذ القرارات الخاصة بالسماح له بالترشيح أو رفض طلبه، ومن ثم فلا حرج من أن تنشئ وزارة الداخلية لجنة استشارية لإبداء الرأي بشأن الشروط الواجب توافرها ببعض المرشحين، ويكون الرأي لجهة الإدارة، ولا يمكن أن ينعقد الاختصاص لتلك اللجنة الاستشارية، لأن في ذلك مخالفة لقانون الانتخاب.

وعن إعطاء الاختصاص للمحكمة الدستورية مباشرة من دون رقابة سابقة على المرشحين، من دون وضع رقابة على المرشحين، قال الفيلي إن عدم فحص الشروط الواجب توافرها بالمرشح من قبل إدارة الانتخابات، وترك ذلك الأمر الى المحكمة الدستورية لاحقا أننا سنكون أمام إجراء غير منطقي، فأنت تستطيع وضع فلتر، ولكن تقول أنا لا أريد وضع فلتر، وأترك الماء أن يذهب الى المصب، ثم أعالج المشكلة عندما يأتي الماء الى المصب، ولا أجد بالفكرة هنا حصافة، خاصة أننا نتكلم عن قرار وضع له القانون شروطا، وهنا سوف تعرض إرادة الناخبين الذين صوتوا له الى الإهدار، ومن هذه الجهة أرى أن هذا الاقتراح غير حصيف».

ضابط قانوني

يدوره، يقول رئيس قسم القانون العام، أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. خليفة الحميدة، إنه على الرغم من التأكيد على المسؤولية الملقاة على عاتق الناخبين من مسؤولية في اختيار من يمثلهم في مجلس الأمة، إلا أن شرط السمعة الحسنة مصطلح يحتاج إلى ضابط قانوني لإعماله، خصوصا مع ما قرره الدستور من افتراض البراءة في الأفراد، الى حين إدانتهم في محاكمة عادلة توافرت لهم فيها الوسائل الكافية للدفاع، وإذا كان الحرمان بسبب صدور حكم بالإدانة مرتبا بعقوبة جناية، أو معتبرا الجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، فإن هذا الحرمان يؤسس على حكم بالإدانة، وليس على شرط السمعة الحسنة».

ويضيف الحميدة: «ومن جهة أخرى، فإن شرط السمعة الحسنة يحمل في طياته التأبيد في الحرمان، فحتى مع المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة أو بعقوبة جناية لا يلبث إلا أن يعاد إليه حقه بالانتخاب متى رد إليه اعتباره، كما أن المحروم من الانتخاب بسبب إفلاسه لا ينفك إلا وتعود إليه حقوقه السياسية، أما إطلاق شرط السمعة الحسنة فسيثير التساؤل حول الفترة الزمنية الكافية للقول بانتهاء الحرمان المترتب عليه، كما أن الدستور خلا من شرط حسن السمعة من انه يتعين توافره بالشروط الواجب توافرها لمن يترشح لعضوية مجلس الأمة».

شرط فضفاض

وعن قانونية عمل اللجنة المشكلة بالبحث عن توافر شروط الترشيح، يقول د. الحميدة: «من المنطقي أن تكون هناك جهة معينة إدارية للتأكد من توافر الشروط في المرشحين، وعدم تحقق ما يمنعهم منه. ولذلك فليس من المتصور البحث في مدى صحة وجودها، علما بأن ما تصدره من رفض لترشيح البعض قرارات إدارية يمكن الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية».

بدوره، يقول أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. فواز الجدعي، إن شرط حسن السمعة شرط فضفاض، ويفتقر للضابط السليم، وعرضة للتقدير النسبي غير المقيد، ويعد بمنزلة إضافة شرط على الاشتراطات التي قررتها المادة ٨٢ من الدستور وقانون الانتخاب دون مسوغ، مما يؤثر في العملية الانتخابية، خصوصا إذا سمح للجنة الفحص بأن تحدد أن هذا الشخص يفتقر إلى حسن السمعة، وعلى فرض إلغاء قرار اللجنة، فإن وصم الشخص بسوء السمعة سيؤثر في مكانته الاجتماعية، ومن ثم السياسية، لافتا الى انه تم أخذ شرط حسن السمعة من القضاء المصري، كما أن السياسي الكويتي قد يكون حسن السمعة في دائرة انتخابية ومفتقرا لها في دائرة أخرى.

ويضيف الجدعي قائلا إن شطب المرشحين عن طريق اللجنة بشكل عام لا يجوز من أجل الأحكام القضائية، خصوصا بعد تحصين كشوف القيد الانتخابي، ولكن يحق لها فحص مسائل أخرى منها توافر شرط العمر أو شرط المواطنة بصفة أصلية أو أن يكون منتميا للأسرة الحاكمة، ولا يتعدى ذلك أن يكون لهذه اللجنة صلاحية فحص الحالة الجنائية التي يفترض أن تفحص بشكل دوري كل سنة، وبالتالي لا يجوز بعد تحصين الكشوف أن يتم شطب مرشح بسبب الحالة الجنائية والتي تفحص أساسا، باعتباره ناخبا وليس مرشحا.

عملية منظمة

ويوضح الجدعي قائلا: يتعين على وزارة الداخلية أن تباشر «شطب الناخبين» غير المستوفين للشروط، وفي حال شطبه كناخب يحق له الطعن أمام الدائرة الإدارية لإعادة قيده كناخب، لأن من شروط المرشح أن يكون ناخبا، لذا العملية منظمة، ولكن وزارة الداخلية أهملت دورها الذي كلفها بأن تمحص قيد الناخبين كل عام، بالتالي لا يتبقى للطعن سوى الطعن الانتخابي أمام المحكمة الدستور.

من جانبه، يقول أستاذ القانون العام في كلية القانون العالمية، د. علي الظفيري، إن أي محطة انتخابية تتعلق بمجلس الأمة، سواء أكانت انتخابات عامة أم جزئية، من إثارة شرط حسن السمعة بالنسبة إلى عدد من المرشحين، وهو ما يؤكد أهميته، رغم الملابسات التي تحيط بالقرارات المتعلقة به، ففي انتخابات مجلس الأمة التي جرت في فبراير 2012 شطبت لجنة مشتركة بين النيابة العامة ووزارة الداخلية عددا من المترشحين، وقضت الدوائر الإدارية بالمحكمة الكلية بإلغاء قرار شطبهم، وإعادة قيدهم قبل أن تتم العملية الانتخابية في دعاوى مستعجلة فصلت بها قبل أن تلغي محكمة الاستئناف حكم أول درجة، وتأييد قرار شطبهم، فقدموا إشكالا لوقف تنفيذ الحكم، وتمكنوا من خوض العملية الانتخابية.

توسع اللجنة

وتكرر هذا الأمر في انتخابات مجلس الأمة في ديسمبر من العام نفسه 2012 كان الشطب قد طال 36 مرشحاً لخوض انتخابات مجلس الأمة، وذلك بقرار من اللجنة الوطنية العليا للانتخابات (قضى بعدم دستورية إنشائها في 16 يونيو 2013)، وقد توسعت اللجنة في تطبيق شرط حسن السمعة على المرشحين. وقضت الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية بإعادة قيد معظمهم باستثناء ثلاثة مرشحين، تم تأييد قرار اللجنة بخصوص شطبهم من قوائم المترشحين.

ويضيف الظفيري قائلا: «وعلى الرغم من وضوح هذا المبدأ القضائي، ندعو المشرع الكويتي إلى أن ينص على وجوب توافر شرط حسن السمعة في المرشح لمجلس الأمة، منعا للبس والغموض في هذا الصدد؛ ذلك أن إيراد هذا النص يقطع دابر الشك في وجوب تطبيقه.

وما يؤكد كلامنا هذا النداء الذي وجهته محكمة الجنايات في القاهرة، التي دعت إلى إدراج هذا الشرط في قائمة شروط الترشيح إلى البرلمان عندما قررت أنه: قد بات حريا ومجديا، إضافة تعديل إلى القانون بأن يضاف إلى الشروط الواجب توافرها في المرشح، شرط أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة، شأنه في ذلك شأن المرشحين لأي وظيفة عامة، باعتبار أن المرشح لهذا المنصب سيكون له موقع مهم، ويحمل على عاتقه أمانة التمثيل النيابي ومسؤوليته، وفي ذلك الضمان الكافي لتصفية المطاعن التي تمس المرشحين، والتجنب لما قد يوجه إليهم بعد فوزهم في الانتخابات، حفاظا على كرامتهم ومكانتهم التي أولاها لهم الشعب كي يؤدوا رسالتهم الرفيعة ويضطلعوا بالأمانة الموكولة لهم، ومن ثم يصان للمجلس دوره الفعال في الرقابة والتشريع، بحسبانه سلطة من سلطات الدولة التي يتعين أن تحاط بسياج منيع ضد من يحاول النيل منها.

استقرار

يذكر أن البعض يرى أن عدم النص صراحة على «حسن السمعة» شرطا للترشيح لعضوية البرلمان مرجعه إلى استقراره لدرجة لم يعد المشرع معها في حاجة إلى إدراجه بين مواده.

ومن جانبنا، نرى أن استقرار هذا الأمر لا يعفي المشرع من عدم النص عليه؛ فحسن السمعة أمر مستقر عليه في مجال التعيين في الوظائف العامة، ومع ذلك يندر أن يخلو من هذا الشرط أي قانون ينظم التعيين في الوظيفة العامة.

كما أنه في ظل الدولة القانونية يجب ألا يترك الأمر للتفسيرات والاجتهادات، خصوصا في مسألة الترشح إلى البرلمان؛ فكثير من الدساتير والتشريعات تنص على وجوب هذا الشرط في المرشحين للبرلمان.

ويوضح الظفيري أن محكمة التمييز حسن السمعة عرفت الشرط عندما قالت: إن «المستقر عليه في القضاء الإداري أن القانون، وإن لم يورد تعريفا جامعا مانعا لما يعتبر من الجرائم المخلة بالشرف أو بالأمانة، أو يحدد أسبابا لفقدان حسن السمعة، قاصدا بذلك أن يكون في مجال التقدير، والنظرة إلى هذا الشأن من المرونة بحيث تساير تطورات المجتمع، وأن تكون هي تلك التي ينظر إليها المجتمع على أنها كذلك.

ويضيف: كما تختلف النظرة إليها في ضوء كل حالة بحسب الظروف التي تمت فيها، وما قد يتكشف من أفعال، وما عسى أن ينعكس ذلك سلبا على سيرة الشخص وسلوكه، إلا أن حسن السمعة لا يخرج عن كونه مجموعة من الصفات والخصائص التي يتحلى بها الشخص، فتكسبه الثقة والاحترام بين الناس وتجنبه قالة السوء، أو ما يمس الخلق، ومن ثم فهي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته، وهي صفات وخصائص أوجب وألزم ما ينبغي أن يتصف بها كل مرشح لعضوية مجلس الأمة.

مبادئ سامية
يقول د. علي الظفيري إن حسن السمعة من المبادئ السامية والمثل العليا التي تواضع الناس على إجلالها وإعزازها، في ضوء ما تفرضه قواعد الدين ومبادئ الأخلاق والقانون السائدة في المجتمع، وإزاء ذلك ترك أمر التقدير في هذا المجال إلى الجهة الإدارية المنوط بها فحص طلبات الترشح لانتخابات مجلس الأمة للتحقق من أن المرشح متمتع بالصفات المتطلبة؛ وذلك لإصدارها قرارها في هذا الشأن، إما بإدراج اسمه في كشوف المرشحين، أو استبعاده منها بحسب الأحوال، وما يصدر عنها من قرار في هذا الصدد إنما يخضع لرقابة القضاء الإداري لدى تحريك ولايته واستنهاض اختصاصه لبسط رقابته على ذلك القرار.

ويقول الظفيري إن هذا المفهوم اشتمل على عبارات فضفاضة وغير محددة؛ فمن الصعوبة بمكان كما نرى تعريف حسن السمعة، على اعتبار أن هذا الأمر نسبي يختلف من زمان إلى زمان ومن مجتمع إلى آخر، ومن المقرر أن القيم الأخلاقية تختلف من عصر؛ إلى عصر ذلك، لأن تطور الحياة يغير كثيرا من المعتقدات التي كانت قائمة، كما ينشئ معتقدات أخلاقية جديدة لم تكن قائمة من قبل؛ لأنه في ظل العصر السابق عليها لم يكن من المستطاع افتراض قيام هذه القاعدة الأخلاقية.