عندما أرادت السينما الأميركية أن تُخلد ذكرى غرق السفينة الإنكليزية العملاقة عابرة المحيط «آر إم إس تيتانيك» (RMS Titanic)، التي خُطط لها أن تُصبح أكبر باخرة نقل ركاب في العالم، وكتب لها أن تغرق في أول رحلة أبحرت فيها من لندن إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي في 10 أبريل 1912، ذهب التفكير إلى إنجاز فيلم شهير {تيتانيك} (1997) كتبه وأخرجه وشارك في إنتاجه جيمس كاميرون، الذي صنعه بوقار يتناسب وجلال المأساة، واحترام يحفظ للضحايا وذويهم كرامتهم.

وبعد 16 عاماً من إنتاج الفيلم الأميركي، ومئة وأربعة أعوام من وقوع الكارثة، اتجه تفكير مجموعة من المراهقين المصريين إلى توظيف فن {البارودي} للسخرية من {تيتانيك}، وفضح رومانسية الزمن الراهن، وخشية اتهام الفيلم بالإساءة للضحايا، والاستهانة بالمأساة، صدر {المراهقون} الفيلم بلوحة جاء فيها: {تيتانيك النسخة العربية} هو محاكاة للفيلم العالمي الشهير {تيتانيك} لكن في إطار كوميدي ساخر لا يهدف إلى تقديم نسخة مقلدة من الفيلم الأصلي، ولا يقلل من حجم المأساة الإنسانية التي صاحبت أحداث الفيلم}، واختتموا بقولهم: {هدفنا تقديم جزء من القصة بنكهة مصرية ساخرة وكوميدية للترفيه والضحك ليس إلا}.

Ad

فعلوا هذا مع الفيلم الثاني في قائمة الأفلام الأعلى نجاحاً في تاريخ السينما، فقد بلغت إيراداته حول العالم نحو 186,2 مليار دولار، وبلغت إيرادات أسبوعه الأول 29 مليون دولار، وتعاملوا معه بازدراء وكأنهم يصنعون أفلاماً هابطة على غرار: {شارع الهرم} و{حصل خير} و{صرف صحي}، لكن الغريب في الأمر أن توافق نجمة شابة تملك رصيداً من الاحترام، وقدراً من الرصانة، مثل {بشرى}، على بطولة هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، وكأنها لا تعرف أنها غير محمودة العواقب، وأنها لا تقدم فيلماً ينتمي إلى فن {البارودي}، الذي يعني المحاكاة الساخرة للأعمال الفنية الشهيرة، بل ارتمت في براثن تجار وضعوا نصب اهتمامهم الترويج الرخيص، والدعاية الفجة، لنوع من {البسكويت المملح}!

لا يكتفي المخرج محمد خضر بالمحاكاة الممسوخة للفيلم الأميركي، ورصد لقطات وصول الركاب إلى الميناء، وإنما يضع لمسته الخاصة عندما ينسب للصعلوكين اللذين يلعبان الورق، تشبهاً بما فعله ليوناردو دي كابريو ورفيقه {فابريزيو}، إلى مدينة بورسعيد. ولا يكتفي بهذا، بل يُلصق بالفتى {عبده جاك} (شادي سرور) صفات الحقارة والوضاعة والانتهازية واللصوصية، وفي محاولة فاشلة لتمصير الأحداث يزعم السيناريو أن الفتى وصديقه في طريقهما، بالسفينة، إلى دبي ليصبحا من الأثرياء، بينما يصور البطلة وأمها وزوجها بأنهم صعاليك جاؤوا إلى الميناء على متن {توك توك}!

في {تيتانيك النسخة العربية} ضاعت الشعرة الدقيقة بين {البارودي} والسخرية الفجة، فازدراء {البورسعيدية} يتحول إلى إهانة للخليجيين في شخص الزوج الثري {نواف} الذي ارتبط بمحدثة النعمة {روز شقلطة} (بشرى) وأمها الشمطاء (فاطمة كشري)، وأهملته لتعيش حياتها مع {عبده جاك}. والمشهد الشهير للبطل ليوناردو دي كابريو والبطلة كيت وينسلت في مقدمة {تيتانيك} وفي الخلفية أغنية سيلين ديون الرائعة My Heart Will Go On، التي صارت أيقونة اللحظات الرومانسية، يقُدمه الفيلم على إيقاع الطبلة البلدي والصاجات (موسيقى تصويرية إسلام زكي) فيما راح البطلان يرقصان على أغنية {مهرجانات}!

أميز ما في التجربة الديكور والأكسوارات (كامبا) والملابس (ستايلست آية الجنايني)، وفي ما عدا هذا ثمة انحطاط ملحوظ في الأداء، وإسفاف فاضح في الحوار، واختلاط غير مبرر للأزمنة (عصر إبحار وغرق {تيتانيك} يُصبح فجأة عصر {الواتساب})، وتوظيف ساذج لأغنية محمد محيي، وسقوط مفتعل للحاجز الوهمي (بشرى تنظر إلى الكاميرا وتخاطب الجمهور). ورغم أن مدة الفيلم لا تتجاوز الثلاثين دقيقة تقريباً فإن الأحداث تسير متثاقلة وبطيئة ومملة (مونتاج شريف التوني)، ومع إعلان الإذاعة الداخلية العد التنازلي لغرق الباخرة المتجهة إلى دبي يشعر المشاهد، وكأن عبئاً ثقيلاً انزاح عن قلبه وصدره!

حاول المخرج بالتعاون مع شادي سرور، الذي كتب السيناريو والحوار، بمشاركة شريف الحطيبي وأحمد سمير، إضفاء لمسة سريالية (سيقان الغرقى تتحول إلى باليه مائي)، وكوميدية (مليونير يتشبث بإنهاء وجبة طعامه قبل غرق السفينة)، ونقدية اجتماعية (البطلة تستنكر الموت قبل أن تُجري عملية تجميل بالبوتوكس)، واقتصادية (رجل أعمال يفاوض لتخفيض سعر سترة الإنقاذ ثم يعرض تقديم زوجته ثمناً لها). لكن باءت المحاولات كافة بالفشل، وتفاقم الموقف بأغنية النهاية، التي تقول كلماتها: {نروح نروح ونجيب ممدوح} و{أنا قلبي اشتكى من قلة الهشتكة}، وتنتهي بمقطع يقول: {بلاش تعيشي في الدور وكفاية جو الأنتكة}!