العدول عن المقاطعة

Ad

بادئ ذي بدء فإن قلبي ينبض بالفرحة والابتهاج، للعدد الكبير من المرشحين في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السادس والعشرين من نوفمبر القادم، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، وعدول بعض النواب السابقين عن مقاطعة الانتخابات، فالمقاطعة موقف سلبي لا يخدم قضايا الوطن والمواطن، والكويت كانت ولا تزال واحة الديمقراطية في المنطقة العربية، بعد لبنان الذي أضناه الانقسام وضيعته الفرقة، وهي في حاجة إلى تضافر كل جهود أبنائها في استكمال المسيرة الديمقراطية ومواجهة التحديات التي تحيط بكل قطر من أقطار الأمة العربية.

وأستميح بعض القامات الرفيعة عذرا في أن استمرار مقاطعتها للانتخابات عزوفا عن العمل السياسي، بعد السلبيات التي شابت بعض الممارسات البرلمانية في الآونة الأخيرة، توقياً لهذه السلبيات التي قد تتسبب في إلحاق بعض الضرر بتاريخها السياسي الناصع البياض، بأن أزعم أن هذا العزوف يتعارض وقاعدة أصولية تقضي بأن يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وأن ما يصيب الممارسة البرلمانية من ضرر بسبب عدم مشاركتهم في المسيرة الديمقراطية هو الضرر العام والأشد.

حقوق طبيعية تعلو الدستور

ذلك أن حق المواطن في الانتخاب (مادة 80)، وحق الترشح في الانتخابات، وحق الاجتماع (مادة 43)، وهو الحق الذي يمارس في فترة العرس الديمقراطي خلال الانتخابات، كلها حقوق دستورية تقوم منها منظومة الحكم الديمقراطي الذي يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه ولنفسه.

كما أن حق الانتخاب وغيره من الحريات العامة ومبادئ المساواة، يعتبر وبحق من الحقوق الطبيعية الأسبق وجوداً من الدول ذاتها، فقد كان انضمام الأفراد إلى جماعة ينتمون إليها ويلوذون بها قائماً على أساس أنها بتكوينها وسلطانها ستحمي حقوقهم الطبيعية.

والدستور وهو العقد الاجتماعي الذي أبرمه المواطنون مع حكامهم قد حدد حقوق المواطنين وواجباتهم في علاقات بعضهم ببعض، وفي علاقاتهم بحكامهم وبالتنظيم الاجتماعي الذي يضمهم، وقد تراضى المواطنون فيما بينهم وبين حكامهم في هذا الدستور على النزول عن قدر من حقوقهم من أجل ضمان مصالحهم في مجموعها، وصون الدولة لحقوقهم الأخرى، فلا يجوز لهم النزول عن هذه الحقوق، بمقاطعة العملية الديمقراطية، انتخابا أو ترشيحا، لأن ذلك من شأنه أن يقوض البناء الديمقراطي والمنظومة الديمقراطية، ولا عزاء للمقاطعين.

الشكر لوزارة الداخلية

والشكر لوزارة الداخلية على البيان الذي أصدرته ونشرته على موقعها في صفحات التواصل الاجتماعي من توعية للمواطنين بحقوقهم وبشروط وإجراءات ومواعيد الترشح لمجلس الأمة في هذه الانتخابات، وإن كان قد استرعى انتباهي ما تضمنه هذا البيان من إشارة إلى القانون رقم 27 لسنة 2016 الصادر بتعديل بعض أحكام قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962، فيما تضمنه من حرمان من دين في بعض الجرائم من حق الانتخاب، وهو ما بادرت وزارة الداخلية إلى استدراكه من خلال تصريحات من المسؤولين بها تطمئن المرشحين والناخبين إلى عدم تطبيق هذا القانون بأثر رجعي.

تفسير تشريعي

وكم كنت أتمنى أن يقر مجلس الأمة السابق تفسيرا تشريعيا يتبنى فيه التفسير القائل إنه ليس لهذا القانون أثر رجعي، أو أن يصدر مرسوم بقانون بتفسير تشريعي مصاحب لهذا الحل وتاليا له يتبنى هذا التفسير، فمثل هذا المرسوم بقانون يكون صادرا لضرورة إزالة ما وقر في الأذهان عقب صدور هذا القانون من أن القانون سالف الذكر له أثر رجعي، بحكم العبارة التي وردت فيه "كل من أدين" وليس "كل من يدان"، وهو ما قد يكون قد أقعد بعض الذين دينوا في إحدى هذه الجرائم عن الترشح في هذه الاجتماعات، خصوصا أن رأي إدارة الفتوى والتشريع، ومع كل التقدير لها، هو رأي غير ملزم لمحكمة الطعن في حالة الطعن على ترشيح أو فوز أحد الذين دينوا في هذه الجرائم، وهو الرأي الذي استندت إليه وزارة الداخلية في تفسيرها سالف الذكر للقانون.

الكويت دولة قانون

وأساس ذلك أن الكويت دولة قانون، وقد حرص الدستور في المادة (50) على أن يقيم نظام الحكم على أساس فصل السلطات، وهو مبدأ استقر في ضمير الأمم منذ بزوغ فجر الديمقراطية.

وقد حدد الدستور السلطات الثلاث، فيما تنص عليه المادة (51) من أن السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور، وما تنص عليه المادة (52) من أن السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور، كما نص في المادة (53) على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير، في حدود الدستور.

ويتجسد مبدأ سيادة القانون الذي قرره الدستور في المواد 72 و73 و173 على أساس من اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القوانين واختصاص السلطة التنفيذية بتنفيذها، وتدرج الأعمال القانونية، بمعنى أن القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني، ترتبط ببعضها ارتباطا تسلسليا، وأنها ليست جميعا في مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة القانونية، بل تتدرج فيما بينها بما يجعل بعضها أسمى مرتبة من البعض الآخر، ويقف الدستور على قمة هذا التدرج، لتسمو أحكامه وتعلو قواعده الأحكام والقواعد القانونية كافة، تليه القوانين التي تقرها السلطة التشريعية، والتي يسمو الدستور عليها، وتسمو هي على ما يصدر من السلطة التنفيذية من مراسيم ولوائح وقرارات، والتي يجب أن تتفق جميعا وأحكام القوانين الصادرة من السلطة التنفيذية.