يسعى زوار العاصمة البرتغالية لشبونة إلى الاستمتاع بحياة الليل فيها وطعامها الشهي وروائع هندستها المعمارية الشهيرة التي نشأت في شمالي فرنسا وانتشرت في أوروبا الغربية خلال الفترة من منتصف القرن الثاني عشر إلى أوائل القرن السادس عشر، ولكن لم يكن هناك أي شيء يمكن أن يساعد اثنين من الزوار الذين ذهبوا الى ذلك البلد في العاشر من الشهر الجاري، وهما من محللي وكالة دومينيون بوند للتصنيف الائتماني الكندية، إذ حاولا تقييم الملاءة المالية للحكومة البرتغالية.

وتنتظر الأسواق بشيء من القلق واللهفة قيام تلك الوكالة بتحديث تصنيفها للديون السيادية البرتغالية – الذي ينتظر أن يتم خلال هذا الأسبوع – وقد أثرت تلميحات من هذه الوكالة بشدة على أرباح سندات ذلك البلد لعشر سنوات، وقال تعليق متشائم من فيرغي سماك كورميك وهو كبير الاقتصاديين في كالة دومينيون بوند إن تلك السندات ارتفعت بنسبة 14 نقطة أساس، فيما هبطت بنسبة 10 نقاط أساس في الأسبوع الماضي.

Ad

ويرجع هذا الاهتمام غير المعتاد بوكالة تصنيف غير مشهورة الى خطة التيسير الكمي في قوانين البنك المركزي الأوروبي الذي سوف يقوم بشراء ديون سيادية فقط يتم تصنيفها ضمن درجة استثمارية من جانب وكالة تصنيف واحدة على الأقل من بين أربع وكالات تصنيف معترف بها وهي فيتش وموديز وستاندرد آند بورز ودومينيون بوند.

وفي الوقت الراهن تصنف وكالة دومينيون بوند فقط ديون البرتغال السيادية فوق عتبة المقبول، كما أن درجة تصنيف أدنى سوف تمنع البنك المركزي الأوروبي من قبول الديون البرتغالية على شكل ضمان بالنسبة الى بنوك ضمن خطته المتعلقة بالسيولة.

قرار سلبي

ومن شأن قرار سلبي أن يلحق الضرر بالجوانب المتعلقة بالثقة وبالطلب على سندات الحكومة البرتغالية، كما أنه في شهر سبتمبر الماضي وحده اشترى البنك المركزي الأوروبي ما يصل الى مليار يورو ( 1.1 مليار دولار ) من تلك السندات وهو مبلغ ضخم في سوق يساوي بشكل اجمالي 112 مليار يورو فقط، واضافة الى ذلك فإن الارتفاع في تكلفة الاقتراض سوق يؤثر على وضع تلك السندات على الرغم من عدم احتمال حدوث أزمة كاملة.

وتجدر الإشارة الى أن لدى وكالة ادارة الديون الحكومية الكثير من المبالغ النقدية تحت تصرفها، كما أنها نشطت في اعادة تمويل اقتراضها في الأجل الطويل، وبحسب كاثرين ميوهلبرونر من وكالة موديز للتصنيف الائتماني فإن البرتغال "يمكن أن تظل بكل تأكيد خارج الأسواق لفترة طويلة من الزمن".

وعلى أي حال فإن الأرباح الأعلى للديون سوف تؤثر بشكل سلبي على صورة الوضع الاقتصادي في ذلك البلد، كما أن التصنيف الهابط سوف يفضي الى ضغوط على البنوك في البرتغال من خلال خفض قيمة السندات الحكومية التي تملكها اضافة الى عرقلة فرص وصولها الى سيولة البنك المركزي الأوروبي. ولا يظن أندريه رودريغوز من بنك الاستثمار كيكسا – بانكو دي انفستمنتو أن قدرة الوصول الى السيولة تعتبر مشكلة في الأجل القصير لأن ميزانية البنك تزخر بالسيولة النقدية – ولكن التصنيف الهابط يجعل ذلك أعلى تكلفة.

ويجعل هذا كله وكالة دومينيون بوند في موقف صعب ومحير، وقد غدت جزءاً من الخطر الذي تحاول تقييمه. ولكن ماك كورميك يصر على أن قرارها سوف يعتمد على أساسيات الأجل الطويل، وحتى التفاصيل المتعلقة بميزانية عام 2017 التي سوف ترفع الى اللجنة الأوروبية لا يحتمل أن تؤثر على قرارها بشكل كبير وذلك لأن شطب العجز المالي بقدر ضئيل من النقاط المئوية لن يغير الوضع المالي الأساسي.

المشاكل العميقة

وتستمر المشاكل العميقة في الاقتصاد البرتغالي، وخاصة في القطاع المصرفي، كما أن البنوك البرتغالية تعاني ضغوطاً على هوامش الأرباح نتيجة معدلات الفائدة المتدنية والتكلفة العالية لنوعية الأصول.

وفي الحادي عشر من هذا الشهر كشف البنك المركزي البرتغالي عن أن 16.5 في المئة من قيمة ديون الشركات كانت عديمة الأداء وأن ما يصل الى 36 في المئة منها في قطاع البناء، وعلى الرغم من أن لجنة اللجنة الأوروبية وافقت في شهر أغسطس الماضي على السماح للحكومة البرتغالية بضخ 2.7 مليار يورو في بنك كاكسيا جيرال دي ديبوزيتورز وهو أكبر بنوك البرتغال فإن انكشاف الدولة على ذلك البنك قد يشكل 1.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

ويتمثل القلق الأكبر في وتيرة النمو الاقتصادي في البرتغال، وفي شهر يناير الماضي توقعت حكومة لشبونة أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تصل الى 2.1 في المئة خلال سنة 2016 ولكنه لم يبلغ نصف ذلك الرقم حتى الآن في هذه السنة، وتبدو الصورة قاتمة كما أن الاصلاحات الهيكلية كانت مخيبة للآمال والطلب في منطقة اليورو جاء ضعيفا.

وتبرز عوامل الضعف بقوة وقد تأثرت الاستثمارات نتيجة ديون قطاع الشركات والمؤسسات التي قاربت 140 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. واضافة الى ذلك فإن البنوك الضعيفة لا تستطيع أن ترغم المقترضين على الاذعان لمطالبها، ومن وجهة نظرية جعلت الحكومة البرتغالية السابقة من الأسهل اعادة هيكلة الديون، ولكن هذا لم يحدث على صعيد عملي، بحسب الآنسة موهيلبرونر.

ويقول السيد ماك كورميك في معرض تعليقه على أكثر العوامل التي أثرت في قرار وكالة دومينيون بوند "إنها ليست الديون بل النمو"، والأيام القليلة المقبلة سوف تظهر ما اذا كان الضعف الحالي كافياً لزعزعة نسبة الديون الى الناتج المحلي الاجمالي بالنسبة الى الحكومة البرتغالية، ثم إن القرار القاضي بعدم احداث تغيير سوف يكون بمنزلة تصويت على الثقة، في الوقت الراهن على الأقل، فضلاً عن المستقبل.