لا يحمل فيلم Amanda Knox، الذي أخرجه رود بلاكهورست وبريان ماكجين، عنواناً فرعياً ولا يحتاج إلى ذلك. فقد شغلت قضية هذه الطالبة الجامعية، التي أدينت مرتين وبُرئت مرتين في جريمة قتل زميلتها في السكن في إيطاليا، الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى إننا نحصل على سبعة ملايين نتيجة إن بحثنا عنها على «غوغل».

نستمع في الفيلم إلى الوقائع من نوكس نفسها، التي أُجريت معها مقابلات عدة، شأنها في ذلك شأن صديقها السابق رافايل سوليسيتو والمدعي العام العنيد غيوليانو مينييني الذي أدخلهما إلى السجن، فضلاً عن الصحافي البريطاني نيك بيسا الذي تابع القضية عن كثب.

Ad

تشمل مزايا Amanda Knox أنه يتيح للمشاركين الرئيسين كلهم وعدد من الشخصيات الثانوية فرصة التعبير مطولاً عن مكنونات قلبهم والتحدث بإسهاب عن دورهم في هذه القصة، التي يمكننا تشبيهها بأعمال ألفرد هيتشكوك وباتريشا هايسميث، والتي استغرق الكشف عن أحداثها كاملةً نحو ثماني سنوات.

نرى في أحد المشاهد مثلاً نوكس نفسها وهي تلخص ببلاغة وهدوء وضعها المثير للجدل، قائلةً: «لو كنت مذنبة، فلا بد من أن يخشاني الجميع. أما إن كنت بريئة، فهذا يعني أن الجميع معرضون لخطر مماثل، وهنا يكمن كابوسنا جميعاً. إذاً، إما أكون مجنونة في ثياب حمل أو أنا شخص عادي مثلك».

وثائق وصور

بالإضافة إلى الوفرة من المقابلات، يقدّم المخرجان بلاكهورست وماكجين كثيراً من وثائق المحكمة والصور من الأرشيف، فضلاً عن لقطة فيديو لم نشاهدها سابقاً التقطتها نوكس نفسها للضحية ميريديث كرشر البالغة من العمر 22 سنة.

لكن المقلق حقاً الأدلة البصرية التي تُظهر أسلوب وسائل الإعلام المسعور في تغطية هذه القضية. فقد حملت الصحف يومياً عناوين مثل «نشوة الموت» و«أماندا آكلة لحوم البشر».

لم يكن مراسلو المحطات التلفزيونية أفضل حالاً: من ملاحقة ديان سوير الحثيثة والشرسة لنوكس إلى الأسئلة الغريبة (مثل «هل مارستِ علاقات شاذة؟») التي أمطرها بها أشخاص ككريس كيومو من شبكة «سي إن إن».

بعد ما مرّت به نوكس، لا عجب في أنها تبدو اليوم امرأة جادة جداً وحزينة تعيش وحدها في سياتل وتعمل في الدفاع عن حقوق مَن يُدانون ظلماً.

ولكن في سنوات ما قبل مرحلة إيطاليا، تظهر نوكس في شرائط الفيديو أكثر حيوية وتبدو شابة «عفوية وساذجة» تعشق شخصية الأميرة المحاربة زينا. تصف نفسها: «صحيح أنني شابة منعزلة، إلا أنني سأتمكن في النهاية من العثور على مكاني الخاص».

خلال دراستها في جامعة واشنطن، قررت أن تنضم إلى برنامج تبادل الطلاب وتسافر إلى بيروجيا بإيطاليا كي تخرج من فقاعتها المريحة. وهكذا انتهى بها المطاف إلى مشاركة الطالبة البريطانية الشابة كرشر في السكن.

قبل الجريمة بأسبوع، تلتقي نوكس طالباً إيطالياً شاباً يُدعى سوليسيتو وتقع في حبه. ورغم كل ما مرا به منذ ذلك الحين، تضيء عيناهما فرحاً عندما يتذكران مدى سعادتهما في ذلك الأسبوع الذي أمضيا فيه كل دقيقة فراغ معاً.

لكن كرشر (التي تشكّل لغزاً في الفيلم) تتعرّض للقتل، ما يجعل الشابان محور حياة عدد كبير من الناس، بمن فيهم المدعي العام مينييني والصحافي بيسا، الذي يجد متعة كبيرة في كل هذه المعمعة ويُسر بنشر أغرب القصص والنظريات.

لكن مؤيدي نوكس الذين يبحثون عن شرير تقليدي لن يجدوا ضالتهم في مينييني، الذي يبدو شخصاً وقوراً ومحترماً يعشق شيرلوك هولمز ويهوى التحقيق وربط الأدلة.

إلا أن مينييني أيضاً رجل كاثوليكي ملتزم يؤمن «بأن الله يدير العالم، بيد أن الإنسان يتمتّع بإرادة حرة»، وهو أب لأربع بنات، وأحد أعمدة مجتمع بيروجيا التقليدي.

نتيجة لذلك، تشعر في المقابلات التي أُجريت معه بمدى كرهه العميق أو حتى بغضه لنوكس نفسها (على سبيل المثال، يصفها في إحدى المراحل بإنسان «غامض متهور») ولعالم الشباب المنفتح جنسياً الذي يبدو أنها تجسده.

طوّر مينييني وشرطة بيروجيا النظرية التي نشرها بيسا وغيره عن أن كرشر قُتلت في لعبة جنسية استُعملت خلالها المخدرات. وعمدوا بعد ذلك إلى توقيف نوكس، سوليسيتو، ورجل ثالث في الجريمة يُدعى باتريك لومومبا.

صحيح أن نوكس وسوليسيتو أصرا في البداية على أنهما كانا معاً طوال الليل في شقته، إلا أنهما بعد استجواب الشرطة المكثف بدلا روايتهما مؤقتاً. وعندما نسمعهما يتحدثان عن الضغط المهول الذي تعرضا له، نتذكر لا محالة اعترافات قسرية ترد في فيلم بن برنز الوثائقي The Central Park Five.

لكن المسائل سرعان ما تزداد تعقيداً مع إطلاق سراح لومومبا واعتقال رجل آخر يُدعى رودي غويدي. ومع أن أدلة الحمض النووي تُعتبر حاسمة خلال المحاكمة، إلا أنها تُصنَّف في النهاية «أدلة ملوثة» (يضم الفيلم مقابلات مع خبراء إيطاليين مستقلين).

تبدو هذه التطورات كافة بالغة التعقيد، حتى إن المخرجين بلاكهورست وماكجين والمحرر ماثيو هاماتشيك احتاجوا إلى سنة كاملة ليجمعوها في الفيلم الذي يدوم ساعة ونصف ساعة. لكن عملهم استحق العناء بالتأكيد. صحيح أن من الصعب التوصّل إلى حل حاسم في قضايا مماثلة، إلا أن Amanda Knox نجح في ذلك على ما يبدو.