منذ أن ركب الملك عبدالعزيز- رحمه الله- سفينة الرئيس الأميركي روزفلت لينجو بوطنه وشعبه ودولته الحديثة آنذاك من عواصف ما بعد الحرب العالمية الثانية والعلاقات السعودية الأميركية الوطيدة وتبادل المصالح بينهما على خير ما يرام، إلى أن جاء فتية بن لادن بفعلتهم الشهيرة ليهدموا البرجين، وبعدهما بعقد ونصف العلاقات التاريخية بين البلدين، والله الستار العليم بما هو قادم.

لم أستغرب انحلال العلاقات القديمة القوية بين البلدين بشكل سريع وانقلاب الاصطفافات الدولية والإقليمية، فهذه هي السياسة دائماً وأبداً، وها هي تتجلى اليوم بأبهى صور قذارتها وأحابيلها بعيدة المدى، وكل شيء متوقع وقابل للحدوث، بل أستغرب من المستغربين، كأن السياسة وعالمها رحلة عمل خيري لتوزيع الإعانات على الفقراء والمحتاجين، هذه هي السياسة سواء محلياً كانت أو دولياً، وهذه طبيعتها القذرة، ومن يعتقد غير ذلك فليغير تفكيره قبل أن يسعى إلى تغيير العالم، فمحاولة فهمها وفق عقلية "هوشة بفريج" ستزيدها تعقيداً، وبالتأكيد محاولة تحليلها على طريقة مشجعي الأندية المتعصبين لن تنفع أحداً، فمن ترونهم من ممثلي الدول في الأمم المتحدة لابسي البدل الفخمة أصحاب اللغة الدبلوماسية المنمقة التي تُظهِر عكس ما تبطن لا يفرقون عن الجزارين شيئاً إلا بالبدلة والرائحة، بل قد تجد جزاراً شريفاً أحياناً، وأما الذبائح فهم الآخرون، فكل دولة ترى الأخرى ضحية تريد الاقتطاع منها لمصلحتها، وما الكلام البراق والشعارات الرنانة والتعبيرات المتكررة عن القلق أو التعاون المشترك والسلام العالمي إلا لذر الرماد، لا يصمد أمام صخرة الواقعية والمصالح الصلبة.

Ad

تعاني الكويت سوء إدارة واضحاً انعكس على شكل أزمات سياسية داخلية، إلا أننا يجب أن نفرق بين الداخلي والخارجي، واليوم فرصة مواتية تماماً ليراجع حساباته كل مَن سعى إلى التأثير من خلال الوضع الداخلي أو عبر تأزيمه عمداً أحياناً بالسياسة الخارجية للكويت، من دون فهم ولا إدراك كامل لقواعد اللعبة الدولية واستحقاقاتها، وبالتالي عدم أخذ مصالح الكويت الخاصة وموقعها الجغرافي والتاريخي بالحسبان بشكل جدي، وذلك بمحاولة حرف بوصلتها باتجاه أي طرف من الأطراف الدولية والإقليمية بعيداً عن مصالح الكويت الذاتية، ومواقفها المستقلة قدر الإمكان، وحكمتها التقليدية المعهودة، في سبيل تحقيق مصالح محلية ضيقة أو عقائدية خيالية واسعة تحت رايات وشعارات مختلفة، هذه بلادكم فلا خطوط رجعة ولا بدائل، فقط احفظوا وطنكم يحفظكم.