سبق أن نسّقت الولايات المتحدة العمليات مع وحدات حماية الشعب الكردية، ومن المرجح أنها زودتها ببعض السلاح سراً، كذلك قدّمت السلاح لائتلاف من المقاتلين العرب والأكراد يحظى بموافقة تركيا، إلا أنها تفادت تسليح وحدات حماية الشعب مباشرةً بسبب الرفض التركي، إذ تعتبر تركيا الميليشيات الكردية في سورية حليفاً لحزب العمال الكردستاني الذي يحارب داخل أراضيها، ولا شك في أن مخالفة الرغبات التركية بوضوح تشكّل تبدّلاً كبيراً.

في خطاب ألقاه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدرج قوات حماية الشعب الكردية مع تنظيم "داعش" وجبهة النصر في لائحة المجموعات الإرهابية التي تنفذ الاعتداءات في سورية، وفي الشهر الماضي، شنت القوات البرية التركية والثوار المدعومون من تركيا هجوماً برياً في سورية كان هدفه ضرب "داعش" ومنع الأكراد من الاستيلاء على عدد أكبر من الأراضي على طول الحدود التركية. نجح الأكراد، الذين لطالما تعرضوا للتهميش والتمييز العنصري في سورية خلال عهد بشار الأسد، في اقتطاع منطقة مستقلة لهم في شرق البلاد دعوها "روج آفا" أي "الغرب" في إشارة إلى المنطقة الغربية من كردستان الكبرى، ولكن بدل السعي للاستقلال التام، أعلنوا مناطقهم مقاطعة فدرالية، مطالبين بدولة سورية ديمقراطية لامركزية. وبما أن "روج آفا" علمانية، مؤيدة لحقوق المرأة، وديمقراطية عموماً، فإنها تحظى بصورة جيدة في الإعلام ودعم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين المتشددين والأكاديميين من أنصار الفوضى الذين يغضون الطرف عن عدد من أوجهها المظلمة.

Ad

صحيح أن أكراد "روج آفا" يتمسكون بالجزء الأكبر من عقيدة حزب العمال الكردستاني في تركيا ويكنون احتراماً كبيراً لمؤسسه المسجون عبدالله أوجلان، إلا أنهم يدّعون أنهم منظمة منفصلة عنه بالكامل، واعتبرت واشنطن أن هذا كافٍ، إلا أن تركيا لا توافقها الرأي، ولا شك أن قرار تقديم مساعدة مباشرة لما تصنّفه تركيا منظمة إرهابية سيغضب أنقرة. إذن، لمَ يقدِم أوباما على خطوة مماثلة؟ مهما كانت الأهداف السياسية لأكراد سورية، فإنهم يشكّلون بالتأكيد القوة الأكثر فاعلية في محاربة داعش، ولكن مع الهجوم التركي الأخير، من الطبيعي أن يشعر أكراد سورية بالقلق من أن تتخلى الولايات المتحدة عنهم عندما لا تعود بحاجة إليهم، تماماً كما فعلت مرات عدة خلال صراع أكراد العراق ضد صدام حسين.

تشير صحيفة "تايمز" إلى أن الخطط التي تُناقش راهناً تشمل أسلحة صغيرة وذخيرة، مستثنيةً المدفعية الثقيلة والأسلحة المضادة للدبابات التي ترغب وحدات حماية الشعب الكردية في الحصول عليها، لكن انتشار هذا الخبر بعد يوم من خطاب إردوغان العدائي في الأمم المتحدة لا يشكّل تبدلاً كبيراً في استراتيجية القتال، بل إشارة سياسية إلى الأكراد بأن الولايات المتحدة تأخذ تحالفها معهم على محمل الجد، وإلى إردوغان بأنه لا يستطيع تحديد استراتيجية الولايات المتحدة ضد داعش.

تشهد العلاقات بين إدارة أوباما والحكومة التركية الكثير من الاضطرابات في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد محاولة الانقلاب في تركيا قبل شهرَين، وعملية القمع العنيفة التي طبقها إردوغان في أعقابها. كذلك ازدادت هذه العلاقات سوءاً مع مطالبة تركيا واشنطن بتسليم فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والذي حمّله إردوغان مسؤولية تنظيم الانقلاب ونعته مراراً بالإرهابي في خطاباته.

علاوة على ذلك، تشعر إدارة أوباما باستياء كبير بعدما اتضح منذ مدة أن أولويات تركيا في سورية تشمل، من الأكثر أهمية إلى المهم، احتواء الأكراد، ومساعدة الثوار المناهضين للأسد، ومحاربة داعش. عندما كانت الإدارة الأميركية متمسكة بأمل إعادة إرساء ما يشبه السلام والاستقرار في سورية، بدا لها ضرورياً استرضاء تركيا، التي تشكّل أحد أهم الأطراف الداعمة للمعارضة المناهضة للأسد، ولكن بعد أن قرر أوباما أخيراً، على ما يبدو، أنه سيصب كل اهتمامه خلال سنته الأخيرة في البيت الأبيض على هدف اقتلاع "داعش" من المنطقة الأكثر بساطة وأهمية، ما عاد استرضاء تركيا ضرورة ملحة.

* جوشوا كيتنغ