على الرغم من أوجه القصور الكثيرة في العمل السياسي المحلي، سواء فيما يتعلق بوجود مواد دستورية تتعارض مع مبادئ النظام الديمقراطي مثل فصل السلطات، وتداول السلطة التنفيذية، أو في ما يتعلق بمشاكل النظام الانتخابي القديم، وفوضى العمل السياسي وعدم تنظيمه وإشهاره على أسس مدنية ديمقراطية، وبالتالي وصول أشخاص إلى مجلس الأمة يجهلون ماهية العمل السياسي والبرلماني ومتطلباتهما، فإن المجالس السابقة استطاعت في ظروف معينة وقف بعض قضايا الفساد الكبيرة، ومراقبة رسم الحكومة للسياسات العامة وتنفيذها، وقامت بعملية التشريع، في بعض الأحيان، بعيداً عن توجيهات الحكومة وضغوطاتها.

أما بعد تعديل النظام الانتخابي بمرسوم الصوت الواحد الذي ترتب عليه انخفاض ملحوظ في القاعدة الانتخابية التي يمثلها عضو المجلس لتصل في بعض الدوائر الانتخابية إلى ما نسبته 0.5 في المئة من إجمالي عدد الناخبين في الدائرة، وبعد ترسانة القوانين المُقيّدة للحريات العامة التي صدرت في السنوات القليلة الماضية، فإن المراهنة على دور المجلس في القيام بإصلاح الوضع القائم ولو جزئياً، أو الحد من استشراء الفساد السياسي والدفاع عن قضايا عامة الناس، هي، من دون شك، مراهنة خاسرة، فقد غلب الشكل على المضمون. وإذا ما استمر العمل بالنظام الانتخابي الحالي وبالقوانين ذاتها المُقيدة للحريات العامة، فإنه من الوهم تصور أن المجالس القادمة ستختلف كثيرا عن المجلس الحالي إن لم تكن أسوأ، إذ أصبحت الحكومة تتحكم بشكل كامل في مخرجات المجلس، وتُوجهه كيفما تشاء.

Ad

من زاوية أخرى، فإن العمل السياسي لا يقتصر على مجلس الأمة، فالعمل البرلماني هو أحد أوجه النشاط السياسي المتنوعة والمتعددة والمُتجددة، والشعوب الحيّة تبتكر باستمرار، حتى مع وجود برلمان حقيقي، أشكالاً جديدة للنشاط السياسي والعام، وأساليب مبتكرة للضغط الشعبي بحسب المرحلة السياسية وموازين القوى ونوعية المطالب الشعبية.

والآن مع مضي الحكومة في تنفيذ سياسات اقتصادية نيوليبرالية متوحشة كالخصخصة، وإلغاء الدعم الاجتماعي الضروري أو تخفيضه، علاوة على زيادة الأسعار وفرض رسوم جديدة، وما سينتج عن ذلك من إفقار، وبطالة، وتدني المستوى العام للمعيشة، فإنه من الوهم تصور أن مجلس الأمة، لاسيما في ظل الوضع القائم، سيتولى الدفاع عن مصالح «الطبقة الوسطى» والفقراء، وسيكافح الفساد السياسي المؤسسي ويوسع هامش الحريات، وهو الأمر الذي يتطلب، كما ذكرنا من قبل، أن تقوم العناصر والقوى المدنيّة والديمقراطية بابتكار أساليب ضغط شعبي غير تقليدية تكون عابرة للطوائف والأعراق والمناطق، وتتشكل على أساس الدفاع عن الحريات العامة والشخصية، والمصالح الوطنية المشتركة لعامة الناس وحقهم في العيش الكريم.