صورة الوطن التي ميزته عبر تاريخه بأنه وطن الحريات وقبلة العقول العربية التي ساهمت في رسم هذه الصورة قد تتغير فجأة إلى نقيضها تماما. فيتحول ذات الوطن، الذي تغنينا برحابة صدره وقدرته، رغم صغر حجمه، على قبول الآخر واجتماع النقائض الفكرية والعقائدية، إلى وطن القمع والمنع، وأن يضيق صدره برواية هنا وكتاب هناك. وأن يقف أعضاء مجلس الأمة ضد زيارة شاعر لإلقاء أمسية شعرية مدتها ساعة على أبعد تقدير، ولا تحضرها الأمة بل مجموعة من المهتمين، أو ما يسمى بالنخبة الثقافية، هو ما سيؤدي إلى رسم هذه الصورة المناقضة. ويتبارون هؤلاء الأعضاء بحماسة غير منطقية لإقناع الأمة بأنهم بهكذا فعل يدافعون عن ثوابت الأمة ومعتقداتها التي سيهزها ويقلبها إلى النقيض شاعر في أمسية لا تتجاوز ساعة.

هؤلاء الأعضاء الذين يرسمون لنا صورة الوطن الجديدة يعملون بكفاءة عالية لمحو الصورة الأولى التي كنا نفتخر ونفاخر بها في يوم ما. الصورة التي كانت تجمع فؤاد زكريا وتفكيره العلمي وعبدالرحمن عبدالخالق وتفكيره الديني. الصورة التي كانت تستقطب كثيرين ممن هاجروا بأفكارهم من جور ما على اختلاف مشاربهم الفكرية ليجدوا مساحة إعلامية وصحفا حرة ومنارات لا يهاجمها زملاء هؤلاء الأعضاء الذين سبقوهم ولم تهتز قناعات الأمة التي يحاول أعضاء اليوم الدفاع عنها.

Ad

الرجالات الذين عملوا طوال حياتهم على تكريس مبدأ تقبل الآخر ليسوا أقل وعيا من رجالات اليوم، ولم يروا في هذا التنوع الفكري والاختلاف في الرأي اللذين سادا الساحة الكويتية لأعوام طويلة سوى رسم هذه الصورة التي كانت ميزتنا الأهم. والذين عهد الأمر إليهم اليوم وراحوا يتحفوننا بقرارات المنع والطرد يرسمون أيضا صورة مناقضة سواء بوعي منهم أم من غير وعي. في الوقت الذي يطالب فيه المثقف بمزيد من الحرية تزداد سياسة المنع والحظر على كتب المثقفين الكويتيين أولا وحريتهم في استضافة زملائهم في الوطن العربي لساعة من الشعر.

مطالبة أعضاء مجلس الأمة بمنع الشاعر وديع سعادة من إقامة أمسية شعرية خوفا من اختلال ثوابت الدين لا يمكن تفسيرها بغير محاولة إغلاق البلد على نفسه. وكان أجمل لو أن الأخوة الكرام حضروا الأمسية وناقشوا الشاعر رأيا برأي، وأنكروا عليه ورد عليهم.

ولنضع الأمور في مكانها، لم نتعرف على متطرف فجر دار عبادة متأثرا بقصيدة، ولم نتعرف على إرهابي يعترف بأن رواية ما كانت سبب انحرافه وتطويق نفسه بحزام ناسف، ولم نتعرف على كتاب نقدي كان وراء انضمام قارئ لخلية إرهابية. فلماذا نخاف وديع سعادة وغيره من الشعراء الذين نختلف معهم فكريا؟

في الأعوام الماضية تحديدا كانت الرقابة ترى القاعدة هي منع الكتاب والأشخاص، وهي بذلك تحاول أن تنأى بنفسها عن المسؤولية ومواجهة ما يترتب عليه السماح. ولم يناقش الكاتب في أفكاره ولا يجد الفرصة في الدفاع عن نفسه. لم تقم ندوة فكرية لرواية ممنوعة حتى نرى رأي الرقيب في منعها.

المنع مهمة سهلة لا تتطلب جهدا ولكن تبعاته قاسية جدا، قاسية على صورة الوطن وصفته وانتفاء تاريخه المتسامح الجميل. وإذا أردتم ذلك فكونوا شجعانا واعترفوا به.