جرت العادة أن تحتل نيجيريا العناوين الرئيسية، لأنها الدولة الأكثر عدداً في السكان في إفريقيا، وصاحبة أكبر صناعة للأفلام في تلك القارة وهي الأكثر تظاهراً بالشجاعة أيضاً.

ولكنها برزت في صورة اخرى في شهر أغسطس الماضي حين غدت أصغر تأثيراً وأقل أهمية، وقد فقدت عملاقة النفط في غرب إفريقيا تاجها كأكبر اقتصاد في ذلك الجزء من العالم لصالح جنوب إفريقيا بعد أن أعاد صندوق النقد الدولي احتساب حجم الدولتين مستخدماً معدلات الصرف الحالية. وتوج تلك الأنباء الاعلان الذي صدر في 31 أغسطس عن أن نيجيريا دخلت بشكل رسمي في حالة ركود اقتصادي في أعقاب انكماش اقتصادها للربع الثاني على التوالي.

Ad

وعلى أي حال فإن المنافسة على لقب الاقتصاد الأكبر في إفريقيا سوف تستمر في التأرجح واثارة السباق الاقتصادي، ولكن كما حذر مورتن جيرفن وهو مؤلف كتاب بعنوان: " إفريقيا – لماذا يفهم الاقتصاديون الوضع بصورة خاطئة " عندما قال:

" نحن نعلم درجة أقل من المعلومات المبنية على أرقام الناتج المحلي الإجمالي مما نود أن نظنه، وهذه تقديرات غير دقيقة، ومقارنة واحدة بأخرى لا معنى لها بكل تأكيد. وطوال عقود من الزمن لم يكن أحد يهتم بحجم الناتج المحلي الاجمالي أو دقة تلك التقديرات، وخلال السنوات الماضية كنا نسمع أنباء متواترة عن كون دولة ما أكبر من الاخرى".

والنبأ الحقيقي لا يتمثل في أي من الدولتين تتقدم على الاخرى بل في وتيرة التباطؤ الاقتصادي فيهما، ومع تعويم العملة النيجيرية (النيرا) الذي تم في الآونة الأخيرة ومتاعب العملة في جنوب إفريقيا (الرند) يتساوى الوضع بالنسبة الى البلدين في سعيهما الى تحقيق النمو.

توقعات الخبراء

ويتوقع بعض الخبراء في الوقت الراهن أن يهبط الرند بصورة حادة من جديد قبل نهاية السنة الحالية، ويرجع ذلك الى طائفة من الأسباب من بينها أن معدلات البطالة لا تزال عالية وقد وصلت الى 26.6 في المئة على الرغم من أنها هبطت بصورة طفيفة خلال الربع الأخير، كما أن العديد من العائلات عرضة لضغوط مالية وقد شهدت مبيعات التجزئة تباطؤاً، وتنبأ بنك الاحتياطي في جنوب إفريقيا بعدم تحقيق أي نمو في سنة 2016 ويتمثل الأمل الوحيد في منع حدوث انجراف سلبي بشكل محدد في قطاعي التعدين والتصنيع فقط.

ومن جهتها تظل نيجيريا مثقلة بأعباء الهبوط السريع في عوائد الحكومة بسبب انخفاض أسعار النفط – وهي قضية تشكل جزءاً من الحلقة المفرغة المتمثلة في التمرد المتجدد في دلتا النيجر والتحديات الأمنية المستمرة في الشمال الشرقي من البلاد، ومعدلات التضخم التي وصلت الى 16.5 في المئة خلال شهر يونيو الماضي وسجلت رقماً قياسياً في أحد عشر عاماً – اضافة الى شكوك المستثمرين.

وفي ضوء هذا الوضع، يصبح الجدال حول ما اذا كانت نيجيريا سوف تتمكن في نهاية المطاف من الاحتفاظ بلقب أكبر اقتصاد مجرد صرف للانتباه عن الوقائع الاقتصادية المثيرة للقلق والمخاوف. ويتوقع صندوق النقد الدولي اليوم أن ينكمش اقتصاد نيجيريا بنسبة 1.8 في المئة خلال هذه السنة، على الرغم من الزيادة في عدد السكان التي بلغت 2.67 في المئة.

وبدلاً من المجادلة حول الحجم النسبي يتعين على المسؤولين في نيجيريا وكذلك على المهتمين بالجوانب التجارية فيها التركيز على العمل المتعلق بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة بشدة، وقد حان الوقت الآن من أجل وضع الأسس لفترة أطول من النمو المستدام والمتنوع في الأجل الطويل، ويبدو أن ادارة الرئيس النيجيري مستعدة لوضع اصلاحات صعبة في وجه الضغوط الاقتصادية الجلية.

تردي الميزانية

وبغية كسر الانهيار في الميزانية والخروج من حالة الركود الاقتصادي يحتمل أن تضطر نيجيريا الى الاقتراض من الأسواق الدولية. وتبدو البلاد – بشكل ظاهري – مؤهلة للاقتراض وهي لديها نسبة متدنية من الديون الى الناتج المحلي الاجمالي تلامس حوالي 11.5 في المئة، بحسب أرقام شهر ديسمبر 2015، وهي نسبة تقل بشكل كبير عن نسب جنوب إفريقيا (50.1 في المئة) والبرازيل (66.23 في المئة) والهند (67.2 في المئة) – ولكن خدمة الديون الحالية أصبحت الآن صعبة الى حد كبير. وقد أعلن مكتب ادارة الديون في شهر مارس الماضي أنه يتوقع أن يضطر الى استخدام 35 في المئة من عوائد الحكومة من أجل تغطية خدمة الديون.

وتجدر الإشارة الى أن استمرار المستويات المنخفضة من العوائد الناجمة عن هبوط أسعار النفط اضافة الى التكلفة العالية لرواتب موظفي الحكومة يقيد التحفيز الاقتصادي التقليدي عن طريق الانفاق الا اذا كانت نيجيريا راغبة في الاقتراض عند معدلات سوف تكون أعلى من المتوقع.

وأصبح تحقيق العوائد محلياً أولوية قصوى، والعمل على وضع شريحة تشمل بدائل عن الاستيراد وإصلاح الضرائب وتسهيل العمليات التجارية وتشجيع البنوك المحلية على الاستثمار في صناعات غير نفطية سوف يحافظ على العملات الأجنبية، ويخلق فرص عمل ويسهم في تنويع الدخل الحكومي في الأجل المتوسط.

الغذاء المستورد

في شهر أبريل الماضي، شدد الرئيس النيجيري على ضرورة خفض مستوردات الغذاء، مشيراً الى أن " فاتورة نيجيريا من استيراد منتجات الغذاء والألبان غدت عالية جداً، ونحن نريد خفضها الى أقل حد ممكن عن طريق تطوير امكانياتنا المحلية ". وكان أحد الأمثلة بين العديد من تلك السبل هو الطماطم. وتعتبر نيجيريا في الوقت الراهن أكبر دولة منتجة للطماطم في إفريقيا شبه الصحراوية ولكنها أكبر مستورد لمعجون الطماطم أيضاً. ثم إن الاستثمار في البنية التحتية – وخاصة في عمليات التخزين والتوزيع – سوف يساعد على خلق منتجات قيمة مضافة على صعيد محلي، كما أن تحسين الاستثمارات المحلية سوف يقدم مساعدة أكبر تفوق الحد من سياسة الاستيراد.

وينطوي تحسين تحصيل الضرائب على أهمية بارزة أيضاً: في سنة 2013 رفض 75 في المئة من الشركات المسجلة دفع الضرائب، و65 في المئة لم تقدم بيانات عوائد في العامين السابقين. ومن حيث نسبة الضريبة الى الناتج المحلي الاجمالي تبلغ درجة نيجيريا 3.1 في المئة فيما ظلت كينيا فوق نسبة 15 في المئة طوال أكثر من عقد من الزمن. ولكن لاغوس أظهرت امكانية تحقيق تقدم درامتيكي، وقد زادت عوائدها من الضرائب بأكثر من 800 في المئة منذ عام 2003، وقد استخدمت العوائد التي تم تحصيلها محلياً من أجل تغطية 75 في المئة من ميزانيتها.

تطبيق نجاح لاغوس

إن التركيز على كيفية تحقيق نجاح لاغوس في هذا الحقل يفوق كثيراً في أهميته مسألة الاعتماد على الحجم الاجمالي النسبي للاقتصاد النيجيري في القارة الإفريقية. ورغم أن نيجيريا تمكنت من تجاوز أزمات اقتصادية في فترات عديدة سابقة، إلا أن عليها ألا تنتظر حدوث ارتفاع في أسعار النفط من أجل انقاذها من التباطؤ في النمو كما حدث في 1974 و1987 و1995 – 1997. وفي هذه المرة أيضاً يسود الأمل في أن تلتقي الاصلاحات مع روح ريادة الأعمال المرنة في نيجيريا من أجل وضعها على مسار نمو أكثر استدامة.