لو أن الأتراك في منتصف يونيو من هذا العام كانوا "جاميين" ما شكل السيناريو الذي كان ينتظر تلك الدولة؟! سؤال مرعب ويوحي بشيء من الانزعاج والتخوف على مستقبل أي مجتمع ينتشر فيه هذا الخواء الفكري والانقياد السلوكي لمجموعة اتخذت من الإنجاز والتنمية والحرية أعداءً لها، وممن يؤمن بها مناكفين منحرفين.

لنبدأ من المكالمة الهاتفية التاريخية التي ألهبت مشاعر الناس وأعادت فيهم الرجاء بوجود قيادة حقيقية متماسكة للدولة، فبدلاً من الخروج إلى الميادين والمطارات والمقار الحكومية ومحطات التلفزيون كان سيقول هؤلاء النفر إن المظاهرات حرام ولا تجوز، وإن من خرج من بيته فكأنما خرج من دينه، ستصدر البيانات من شيوخ الهوان وأئمة الخوف وسيُغرق مطاوعة "من غلب" وسائل التواصل برسائل السلبية ووجوب لزوم البيوت حتى يتبين "المتغلب".

Ad

النتيجة ستكون "نجاح" الانقلاب وتولي السلطة الجديدة مقاليد الحكم! هنا سيخرج هؤلاء من صوامعهم لمبايعة ولي الأمر الجديد. ليس المهم من يحكمهم وما أهدافه وكيف ستكون فترة حكمه ومن وراءه ونوعية الأهداف التي يتبناها... المهم أنه حدث وحكمت هذه المجموعة، والواجب الآن سماع كلامها وإطاعة أوامرها، والاستجابة لنزواتها، وتحمل أخطائها، والصبر على سرقاتها، والتغاضي عن إعداماتها التي ستشمل كل من كانوا قبلهم في الحكم.

وكما أن الحاكم الجديد لن ينسى سلفه وسيضع خططه الممنهجة للقضاء عليه، فهو أيضاً لن ينسى من وقفوا معه "باسم الدين"! سوف يفتح لهم فضاءً ضيقاً من الحرية، وسيضيف إليهم مجموعة من المتابعين الوهميين على "تويتر" وخلافه، وسيمنحهم بعض المساجد الصغيرة في المدن والأقضية غير المهمة –لعدم أهميتهم- ليؤموا فيها المصلين وليبدأوا دروس العقيدة مع ما يخالطها من استكشاف المعارضين لإبلاغ شرطة ولي الأمر عنهم. أضف إلى ذلك الوقوف في وجه الآراء المضادة لـ "فتاويهم وبلاويهم" التي تدعم حكم الفاجر وتحلل فجر الحاكم.

ميزة هذه المجموعة التي هم أحق الناس بها، فهم أقدر من يستغلها وأفضل من يشتغل عليها، هي أنهم يعرفون قدرهم ولا يتعدون حدودهم... مع السيد الحاكم وأعوانه طبعاً، فأقصى أمانيهم وأعمق "فتاويهم" هو تحديد ما إذا كان قرع الجرس الذي يعلو معلم الدندرمة حلالاً أم حراماً؟