ردة الفعل الغاضبة لرجل الشارع العادي بعد رفع أسعار البنزين مفهومة، بل طبيعية جداً، فلا أحد سيفرح بزيادة تكاليف معيشته، حتى لو كانت الزيادة "قشة" 5 فلوس، فجَمل الرواتب أصلاً محمل بالأثقال والأحمال، ومثل هذه "القشات" المفاجئة ستكسر ظهر مصاريفه، ولكن غير المفهوم هو ردة فعل نواب مجلس الأمة، لاسيما الداعين إلى عقد جلسة طارئة لوقف القرار أو إلغائه!

لا أعتقد أن نواب المجلس لا يعرفون أن قرار الحكومة برفع أسعار البنزين وقبله الديزل والكيروسين كان "كتف قانوني" لا "فاول" كما يحاولون إفهام رجل الشارع الجالس في المدرجات! فالحكومة استندت إلى قانون موجود أصلاً ولم تتعدَّ على بنوده قيد أنملة أو "خنفسة" حتى!

Ad

نعم "القرار البنزيني" بالنسبة لنا كمواطنين لم يكن آسراً بالنظر إلى مصداقية جدواه، كما لم يسحر القبول في أفئدتنا نظراً للأسباب المعيشية الخاصة بنا، ولكن لا يمكن لنائب مجلس أمة أن يتقمص دورنا نحن ويتخلي عن دوره الأصلى، فيتجاهل وهو "مشرع الأمة" أن الحكومة في قرارها لم تكن ذلك الساحر الذي أخرج لنا من القبعة أرنباً تشريعياً لا نعرفه، هو أرنبنا ذاته الذي شربنا مرقته منذ عام 1995 عبر القانون الذي أطلق يدها في رفع أسعار البنزين، وهو ذات القانون الذي مورس وطبق عام 1999 بالإضافة إلى عامنا الحالي.

مجلس الأمة لا يستطيع لجم يد الحكومة عندما تطبق قانوناً شرعه المجلس ووافق عليه. نعم يستطيع مراقبتها ولكنه لا يقدر أن يلومها إن طبقت قانوناً موجودا، فهنا سنعيش حالة تداخل سلطات، ولكن ذات المجلس يستطيع ممارسة سلطاته عبر تعديل القانون ذاته لكي لا نلدغ من جحر البنزين للمرة الثالثة مستقبلاً، ومن وجهة نظري فإن أي دعوات لجلسات طارئة لا يكون عنوانها تعديل القانون هي مجرد عنتريات فارغة وتكسبات تصلي خلف مشاعر المواطنين وتأكل على مائدة الانتخابات، وقد مللنا فعلاً من هذا الرتم الديمقراطي غير المجدي، ونتمنى من النواب أن يفهموا ولو مرةً واحدة أن دورهم الدستوري هو التشريع تحت قبة عبدالله السالم لا دغدغة مشاعر الأصوات تحت قباب الخيام الانتخابية.

كل ما أرجوه أن تكون الجلسة الطارئة لتعديل القانون ذاته لا الاعتراض عليه، فلا جدوى من البكاء على لبن قانون مسكوب، ولا يفل القوانين إلا القوانين، وعير هذا "كلام فاضي" ومأخوذ خيره.