في الرابع عشر من أغسطس زار الأميرال في سلاح البحرية في جيش التحرير الشعبي الصيني غوان يوفي دمشق وتجوّل في هذه المدينة في موكب خضع لحماية مكثّفة، وتشير بعض التقارير إلى أن زيارة غوان شملت اجتماعات مع مسؤولين عسكريين بارزين ومسؤولين روس، فضلاً عن تعهدٍ بأن يقدّم الجيش الصيني تدريباً طبياً للطاقم الطبي السوري، لكن السؤال الذي ينشأ هنا: لمَ تعزز الصين تدخلها في الوقت الراهن؟

عندما نتأمل الإطار السوري خصوصاً، نلاحظ سببين رئيسين وراء قرار الصين المفترض أن تضطلع بدور أكثر بروزاً في سورية: الأول قلقها من مشاركة عدد من متمردي الأويغور من ولاية شينغيانغ الصينية الكثيرة الاضطرابات في الصراع السوري والروابط التي تجمعهم به، والثاني رغبتها في إرساء الاستقرار الجيو-استراتيجي في الشرق الأوسط فيما تسعى إلى تطبيق استراتيجية "حزام واحد، طريق واحد" التي تتبناها.

Ad

لعل الأكثر أهمية في المقام الأول مشاركة الحزب الإسلامي التركستاني في الحرب السورية، إذ يُعتبر هذا الحزب خلفاً من نوع ما لحركة شرق تركستان الإسلامية، وهي مجموعة تعتبرها بكين مسؤولة عن أعمال العنف المرتبطة بشينغيانغ بعد الحادي عشر من سبتمبر. تدّعي بكين أن تنظيم القاعدة "موّل هذه الحركة ودعمها" مباشرةً. صحيح أن مدى هذا الدعم المباشر ما زال موضوع جدل كبير، إلا أن العلاقة بين الحزب الإسلامي التركستاني والقاعدة تنمو باطراد منذ ذلك الحين مع ازدياد أعداد المجندين الأويغور في هذا التنظيم بدءاً من عام 2009 وثناء زعيم القاعدة أيمن الظواهري على مساهمات الأيغور في الجهاد العالمي في إحدى رسائله الأخيرة.

أدى القمع الصيني في شينغيانغ، وخصوصاً عقب أعمال العنف والشغب الإثنية في العاصمة أورومتشي في يوليو عام 2009، إلى ظهور ما دعته وسائل الإعلام الحكومية الصينية "سكة حديد تحت الأرض" لجأ إليها الأويغور الذين سعوا إلى الهرب من المنطقة، فانتقل بعض هؤلاء إلى تركيا ومنها إلى سورية للقتال إلى جانب الحزب الإسلامي التركستاني وغيره من المجموعات المجاهدة. وبحلول عام 2015 أثبت هذا الحزب وجوده بوضوح في ساحة القتال في سورية مع نشر هذه المجموعة عدداً من الأشرطة المصورة التي تحدد بالتفاصيل دورها في القتال إلى جانب جبهة النصرة، التي كانت حتى وقت ليس ببعيد فرع القاعدة في سورية.

من الناحية التاريخية، لم تملك الصين مصالح اقتصادية في سورية، علماً أن هذا البلد كان قبل الحرب الأهلية مرتبطاً ارتباطا اقتصادياً شديدا بمنطقته، إيران، وروسيا. وواصلت الصين في الآونة الأخيرة تأدية دور ثانوي في هذا الصدد. صحيح أن بعض مواطنيها انضموا إلى "داعش" وبعضهم الآخر قُتل على يد هذا التنظيم، الذي هدد الصين في عدد من خطاباته، إلا أن هذه الدولة لا تشكّل على ما يبدو محوراً بارزاً في أهداف "داعش"، أما في المجموعات الأخرى غير "داعش" التي تحارب النظام، فيبدو عدد مَن يقاتلون إلى جانب الحزب الإسلامي التركستاني كبيراً، في حين تواصل قيادة هذا الحزب ومجموعته الأساسية الحرب في أفغانستان.

لكن الاضطرابات الحالية التي يشهدها الشرق الأوسط نتيجة الأزمة السورية تشكّل عقبة كبيرة أمام قدرة الصين على تحقيق رؤيتها. في هذا الإطار تعتبر بكين أن مقاربة الولايات المتحدة إلى الأزمة السورية ترتكز على رغبة واشنطن في استغلال الحرب الأهلية كذريعة للإطاحة بنظام الأسد بغية إضعاف قوة إيران المتنامية ونفوذها في الشرق الأوسط. في المقابل كانت روسيا راسخة في التزامها بالقضاء على ما تدعوه الخطر "الإرهابي" هناك بدعمها النظام في دمشق، وقد أعربت بكين عن إعجابها بتحقيق الخطوات الروسية الحاسمة تأثيرات كبيرة قصرت عنها سنوات من المواجهة في ساحة القتال.

إذاً ربما توصلت بكين أخيراً إلى خلاصة أن دعم الأسد والوقوف إلى جانب روسيا يشكلان خياراً أفضل لمحاربة نمو الحزب الإسلامي التركستاني بفاعلية، بالإضافة إلى ذلك من الممكن أن يُعتبر ذلك في إطار أوسع محاولةً من جيش التحرير الشعبي الصيني لتعزيز تدخله في سورية عبر التعاون العسكري-العسكري لتطوير خبراته في الخارج في مجالات مختلفة من عمليات حفظ السلام إلى مهام محاربة القرصنة والإرهاب.

مايكل كلارك