بالإضافة إلى أخطائها الفادحة أو "خطاياها" القاتلة الكبيرة، التي ارتكبتها خلال سنوات الأزمة السورية التي اقتربت من دخول عامها السادس، فإن الولايات المتحدة الأميركية، في عهد هذه الإدارة البائسة التي اقتربت من أن تنفث أنفاسها الأخيرة، قد ارتكبت موبقة سياسية، ستدفع ثمنها غالياً لا محالة إن هي بقيت تسير على هذا الطريق الذي تسير عليه، عندما بادرت إلى تقديم اعتذار فُهم أنه لبشار الأسد ولـ "حكومته الرشيدة" عما قامت به عندما هاجمت جوياً مواقع لجيش النظام السوري، وقتلت نحو مئة منهم، وهذا غير الجرحى الذين لم تشر لا إليهم ولا لأعدادهم أي من الجهات المعنية... وأولها قاعدة "حميميم" وروسيا الاتحادية.

لماذا هذا الاعتذار الذي هو "أقبح من ذنب" طالما أن الولايات المتحدة قد أعلنت مراراً وتكراراً وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية عدم شرعية بشار الأسد كرئيس للجمهورية العربية السورية وعدم شرعية نظامه، وأيضاً عدم شرعية حكومته وعدم شرعية جيشه... وطالما أن واشنطن لم تعترف بالانتخابات الرئاسية الأخيرة ولا بشرعيتها ولا بشرعية انتخابات مجلس الشعب (البرلمان)! وأنها اعتبرت وإن بطريقة "مواربة" وغير واضحة أن المعارضة "المعتدلة" هي التي تمثل الشعب السوري، والدليل هو تمسكها بـ"جنيف 1" وبالمرحلة الانتقالية وبحكم انتقالي في هذه المرحلة الانتقالية...؟!

Ad

إن هذا الاعتذار "الغامض" فُهم أنه موجه إلى بشار الأسد كرئيس للدولة السورية التي تنتمي إليها القوات التي استهدفتها الغارة الجوية الأميركية... ويقيناً انه إذا كان هذا هو ما قصده الأميركيون فإنه يعني: "أن وراء الأكمة ما وراءها"، وأن الحق كله مع الذين يصرون على أن إدارة الرئيس باراك أوباما منخرطة ليس في لعبة وإنما في مؤامرة مع الرئيس فلاديمير بوتين، سيتم كشفها طال الزمان أم قصر... والله أعلم... وسيأتيك بالأخبار من لم تزود!

وهل يدرك الأميركيون يا ترى أن اعتذارهم هذا سيكلفهم كثيراً عندما تهدأ الأمور وتُفتح الملفات، ويطالب ذوو قتلى جيش النظام بتعويضات مجزية من الولايات المتحدة، طالما أن هناك محاكم أميركية قد حكمت بتعويضات لورثة ضحايا جرائم الحادي عشر من سبتمبر، وطالبت المملكة العربية السعودية ظلماً وعدواناً بدفع هذه التعويضات، مع أنها كانت ولا تزال هدفاً لمثل هذه العمليات الإرهابية...؟!

كان على أميركا أن تتأنى، وأن تفكر في الأمور جيداً، قبل أن تبادر إلى مثل هذا الاعتذار، وكان عليها أن تتذكر أن رئيسها باراك أوباما قد حمّل بشار الأسد شخصياً مسؤولية قتل ستمئة ألف سوري، وأن الولايات المتحدة قد اتهمت هذا الجيش بأنه لم يعد الجيش العربي السوري بل مجموعة من القتلة والإرهابيين الذين ارتكبوا من الجرائم ما لم يرتكبه لا بول بوت في كمبوديا، ولا أسوأ مجرم في الكرة الأرضية كلها وعلى مدى حقب التاريخ.